الكلمة التي توجّه بها رئيس الدولة الى الدورة العادية 14 لقمة الاتحاد الافريقي الملتئمة بالعاصمة الأثيوبية كانت عميقة في مضامينها.. بليغة في معانيها ودقيقة في تشخيصها لمشاكل ومكبّلات القارة عموما وشباب القارة خصوصا.. بقدرته الفائقة على التشخيص وتحسّبه الاستشرافي المرهف، يدرك الرئيس بن علي أن «الفجوة الرقمية هي بالأساس فجوة تنموية قبل أن تكون تكنولوجية».. وبثقة العارف بخفايا الأمور لم يقف عند التشخيص، بل تعدّاه لوضع الوصفة من خلال تأكيده أنه «لا مناص من الانخراط في الثورة المعرفية والرقمية والمراهنة على الموارد البشرية عبر قطاعات حيوية لتكنولوجيات المعلومات والاتصال».. وبالفعل، فقد جرّبت هذه الوصفة في بلادنا وأثبتت جدواها بعد أن تمكنت بلادنا من إنجاز تجربة تنموية جعلتها تحتل صدارة البلدان الصاعدة والتي تقف قاب قوسين أو أدنى من اللحاق بركب الدول المتقدمة.. تجربة اتسعت على كل الجهات والفئات وحققت حالة نهوض شملت كل القطاعات ومجالات العمل والتطور وهو ما جعلها تتكلم لغة العصر باقتدار ومكّنها من الامساك بناصية العلوم والتكنولوجيات الدقيقة والحديثة وفي طليعتها مفردات الثورة الرقمية والمعرفية.. وهو ما أهل بلادنا عام 2005 لاحتضان القمة العالمية لمجتمع المعلومات والتي حضرها ما لا يقل عن 30 ألف مشارك وحوّلت بلادنا الى عاصمة لعالم تكنولوجيا المعلومات. وقد شهدت تلك القمة ميلاد المقاربة التونسية الداعية الى جسر الفجوة التنموية بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث كسبيل أوحد لجسر الهوة المعرفية والرقمية.. وهذه معادلة أعاد الرئيس بن علي طرحها وتذكير الدول الافريقية والمجتمع الدولي بوجاهتها.. وبأنها المفتاح الحقيقي الذي من شأنه تمكين الدول النامية من ولوج العصر وتوظيف العلوم والتكنولوجيا لإنجاز تنميتها الشاملة. وبدون مجتمعات تنجز التنمية في شموليتها وتمكن العنصر البشري بالخصوص من تفجير ملكاته الابداعية والامساك بناصية العلوم والتكنولوجيا، فالهوة ستزداد اتّساعا بين شقّ في المجتمع الدولي يصنع العلم والمعرفة والذكاء ويجيّرها لحسابه بما يجعله يزداد تقدّما.. وبين شقّ آخر يتخبّط في غياهب الجهل والفقر والتخلّف.. ذلك كان لبّ الرسالة التي بعث بها الرئيس بن علي الى قادة إفريقيا ومن خلالهم الى شعوبها علّهم يتفطّنون الى المداخل الحقيقية لسدّ الفجوة المعرفية والرقمية والانخراط في لغة العصر والاستفادة من كل مفرداتها وأدواتها.