... موهوبون... ومميّزون... وعباقرة لكنهم مجرمون بحكم القانون... جرائمهم غير عادية... جرائم مقترنة بما هو غير متاح للعموم، بما يطلق عليها الجرائم الالكترونية أو تحديدا جرائم الأذكياء. كيف نتعامل معهم؟ وهل يتسامح معهم القانون؟ ولماذا لا يقع استغلالهم إيجابا في التصدي لمثل هذه الخروقات؟ ... خلال السنوات الاخيرة شهد قطاع التكنولوجيا تطورا سريعا وأضحى أغلب المواطنين ليس في تونس فحسب بل بكل أرجاء العالم مرتبطين بهذه الشبكة سواء عبر الحسابات الالكترونية أو المواقع وحتى لمتابعة الارصدة البنكية وغيرها من المعاملات لتصبح الانترنيت اليوم في العشرية الاولى من الألفية الجديدة أمرا مفروضا منه وشرّا لابد منه. من الفيروس الى التهديد تهديدات الانترنيت كانت مرتبطة بالفيروسات التي يمكن للبعض إرسالها عبر البريد الالكتروني فتصيب الجهاز والحساب بالعطب... لكن هذه العملية أضحت اليوم من الماضي البعيد جدا وأضحت الموجة الجديدة من القرصنة تأتي اليوم عبر المواقع مباشرة بعنوان تهديد المواقع. تحويل الأموال افتراضيا ... تحويل الاموال افتراضيا... والبيع والشراء بأموال افتراضية عبر شبكة... من بين أهم الجرائم التي تحدث اليوم عبر الانترنيت شأنها شأن جريمة دولية تم كشفها مؤخرا بتونس وتورط فيها تلميذ في الثامنة عشرة من عمره بدأت قصته مع اقتناء رموز بأموال افتراضية اتضح أنها تخضع لشبكة كبرى تخترق البطاقات الدولية البنكية لتنفيذ عمليات سرقة الحسابات عن بعد. «سرقات نظيفة» جل هذه القضايا التي شهدتها بعض المحاكم بتونس بما يعرف عنها جرائم الكترونية يطلق عليها اسم «السرقات النظيفة» حيث يمكن للمتهم الموهوب وخارق الذكاء من القيام بكل عملياته دون أن ينتقل من مكانه أمام جهاز الحاسوب. حدود بلا حراسة كل تطور تقني تلازمه حتما حداثة في الجريمة الالكترونية التي ببساطة لا يمكن حصرها باعتبار تغيرها وازديادها وتنوع أساليبها الامر الذي دفع بأصحاب عدة مواقع هامة على غرار مواقع البنوك والشركات الكبرى لإجراء عمليات تحيين يومية للحماية، معتبرين أن كل عملية قرصنة هي عبارة عن حدود لكنها غير محروسة مما يسمح للجميع باختراقها. اختراق لمواقع المعلومات أخطر ما يحدث اليوم هو أن جيلا جديدا من الموهوبين على الخط بإمكانهم بفضل ذكائهم الخارق اختراق المواقع خاصة تلك الخاصة بالمعلومات الشخصية بغاية إتلافها أو تغييرها والعبث بها جرائم تختلف من شخص الى آخر وتصل أحيانا الى حدود اختراق الحسابات الالكترونية بغية تنفيذ عمليات تحيل وابتزاز. تهديد واعتداء على الأخلاق ومن بين الجرائم الالكترونية ما هو متعلق اليوم بالابتزاز وبالاعتداء على الاخلاق عن بعد كاختراق الكاميرا المندمجة وتصوير الطرف المقابل وتهديده وأخطرها اختراق مواقع حسابات الفايس بوك ونشر صور إباحية وكلمات جارحة تمسّ من أصحابها لتشويه سمعتهم بعد قرصنة أرقامهم السرية. موهوبون فوق العادة هؤلاء الموهوبون فوق العادة... تكون جرائمهم بدورها جرائم فوق العادة وجرائم خاصة بالاذكياء فقط يحتاجون فعلا لفرصة لتأطيرهم حتى يستغلوا ذكاءهم المفرط وعبقريتهم في المصلحة العامة... كبعث طرق حماية جديدة يكونون هم طرفا فيها. لكنهم موهوبون! القضايا التي سبق وتم التطرق اليها في المحاكم التونسية انتهت بإدانة مرتكبيها وإيقافهم والقضاء بسجنهم وهو ما يفرض السؤال: كيف نستفيد من عبقرية هؤلاء الموهوبين... لنجعل منهم مفيدين للمجموعة العامة؟ وهل يمكن فعلا بعث مؤسسة خاصة تعنى بهؤلاء المجرمين في نظر القانون... مؤسسة لحمايتهم وإرشادهم وتكوينهم حتى يكونوا في خدمة المجتمع... إذ بسجنهم لا يمكن ردعهم ونخسر في المقابل مميزين أكفاء... أساؤوا استخدام قدراتهم ليس إلا. سميرة الخياري كشو كيف نردعهم من الناحية النفسية؟: الاحاطة والتوجيه والدعم ... كيف نتعامل مع الموهوبين والمميزين في هذا المجال؟ يقول الدكتور عماد الرقيق الاختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية : «ان التميز في مجال الكمبيوتر ينم عن ذكاء ومقدرة فكرية وهو مجال متشعب وصعب لذا كل من بامكانه التحكم والابتكار فيه والابداع هو بالضرورة متميز في هذا المجال الذي اضحى اليوم محل اهتمام الكثيرين. لكن يحدث ان يرتكب بعض المميزين هفوات واخطاء تجعلهم لا يستعملون الكمبيوتر لغايات سليمة وعلمية ولا بد من الانتباه لبعض النقاط قبل التفكير في العقاب. أولا : لا بد من التعرف على هؤلاء الممتازين في مجال الالكترونيات وتأطيرهم التأطير الحسن والكامل والشامل حتى لا يبقوا وحيدين ويصبحوا عرضة للتفكير السلبي والاجرامي. ثانيا : لا بد ان يكون هناك اعتراف معنوي وتقدير لقدراتهم وملكاتهم في هذا المجال واسداء الشكر لهم والتشجيع لاستغلال طاقتهم في المصلحة العامة. ثالثا : لا بد وأن يحصلوا على مقابل مادي مريح كالحصول على شغل وتشجيعهم لانشاء شركة مثلما يحدث حاليا في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يملك هؤلاء النوابغ عدة شركات في مجال اختصاصهم وبذلك يكون الاكتفاء المادي واقيا من السقوط في هفوات خطيرة. وختم الدكتور عماد الرقيق كلامه بالقول ان حصل المحظور فعلا في غياب الوقاية وقام الموهوب المخطئ بعمل مشين فهو أمام جريمة متعمدة قانونا على ان يكون الجزاء حسب الضرر الحاصل فاذا كان الضرر بسيطا أو وهميا (Virtuel) يمكن ارشاد الشاب واصلاحه وتأطيره وتمكينه من فرصة أخرى لاثبات طاقته في المصلحة العامة وليس في مفسدة. لكن اذا ما كان هناك اصرار وجشع وتعمد يكون الجزاء حسب نوعية الجريمة و لا بد من المتابعة والاحاطة بهؤلاء الشبان النوابغ.