شكّل نشر مضامين تقرير المرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية أول أمس حدثا بارزا في تاريخ الحياة السياسية ببلادنا بشكل عام وفي تاريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل خاص. نقول إن تعميم مضامين تقرير المرصد شكّل حدثا بارزا لاعتبارات عدّة.. لعلّ أولها أن هذا المرصد الذي جاء تجسيدا لإرادة سياسية مصمّمة على مزيد الارتقاء بالمشهد السياسي ببلادنا أصبح بمرور الزمن وتعدّد المحطات الانتخابية آلية هامة وتحظى بثقة كل الأطراف.. وهو ما يشكل إجماعا وطنيا حول طروحات ورؤى الرئيس زين العابدين بن علي لمزيد تطوير المشهد السياسي ببلادنا..ومزيد الارتقاء بالتجربة الديمقراطية القائمة على التعدد وعلى التنافس النزيه بين البرامج والأفكار وصولا لتكريس حياة سياسية متطورة كان رئيس الدولة وعد وتعهّد بها في بيان السابع من نوفمبر.. أما ثاني هذه الاعتبارات فيتمثل في تفضّل سيادة الرئيس بالاذن بنشر مضامين هذا التقرير الذي واكب بدقة وأمانة تفاصيل العملية الانتخابية التي شهدتها بلادنا يوم 25 أكتوبر الماضي في كامل مراحلها منذ التسجيل في القائمات الانتخابية وحتى فرز الأصوات وإعلان النتائج.. ولئن سبق لرئيس الدولة أن أذن في انتخابات 2004 بنشر تقرير المرصد، فإن هذه الخطوة تؤكد الثقة الموضوعة في عمل المرصد وأدائه.. وكذلك تؤكد الثقة في النفس لجهة أنه ليس لبلادنا ما تخفيه أو ما تخجل منه.. وأن التجربة السياسية التي تبنيها هي مسار متحرّك وتمشّ تدريجي يراكم الانجازات والاصلاحات والضمانات وصولا الى إرساء تجربة ديمقراطية تعددية.. تتعايش وتتنافس فيها البرامج والرؤى والتصورات وتفضي في نهاية المطاف الى ترسيخ عقلية التعدّد والاختلاف والقبول بالرأي الآخر والاحتكام الى إرادة الشعب لتكون الحكم والفيصل بين الجميع. ثالث الاعتبارات يتجه الى الجوهر هذه المرّة.. حيث أرفق التقرير بعدة توصيات ركّزت على رصد بعض النقائص التي خصّت هذه المرحلة أو تلك من العملية الانتخابية.. وكذلك بعض الملاحظات والتوصيات التي وجب التنبّه إليها لسدّ بعض الثغرات التي ثبّتتها التجربة على الميدان.. وهي ثغرات لا يخلو منها نظام انتخابي ويمكن أن تتعلق مثلا بعمليات الترسيم وما يعترضها من مصاعب بسبب تنقل المواطنين للعمل وعدم إقدامهم على تسجيل أسمائهم في مواطن استقرارهم الجديدة.. أو تلك التي تعرفها مرحلة توزيع بطاقات الانتخاب بسبب تنقل المواطنين أثناء الإجازات سواء داخل الوطن أو خارجه.. هذا الى جانب بعض الملاحظات الأخرى المتعلقة بدور الاعلام في تعميق الوعي بالمكاسب المحققة على صعيد المشاركة السياسية وبالجوانب التقنية المتعلقة بالعملية الانتخابية يوم الاقتراع لجهة ضرورة تناول نظير من كل القائمات المرشحة ووجوب استعمال الخلوة وإمضاء الناخب أمام اسمه بقائمة الانتخاب بعد أداء واجبه.. إضافة الى حثّ ممثلي المترشحين على حضور عمليات الفرز والكشف عن نتائج التصويت في كامل مراحلها.. وبعد فإن نشر هذه المضامين والتفاصيل والملاحظات الدقيقة الواردة في تقرير المرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية، يؤكد أن بلادنا قد كسبت رهانا كبيرا على درب مزيد دعم وإثراء المسار الديمقراطي.. وعندما تقبل بلادنا بإخضاع الانتخابات الرئاسية والتشريعية وهي أعلى تجليات الحياة السياسية والتجربة الديمقراطية التعددية الى سلطان القانون وقواعد السلوك الديمقراطي المسؤول والشفاف والنزيه.. وعندما تقبل على وضع المشهد الانتخابي برمته تحت أعين ومراقبة فريق من الكفاءات التونسية يتقدمهم حقوقي وناشط جمعياتي وعميد سابق للمحامين هو الأستاذ عبد الوهاب الباهي.. وعندما تقبل في الأخير على نشر تفاصيل المتابعات والمشاهدات والملاحظات التي قام بها هذا الفريق.. عندما يحصل كل هذا، فإن بلادنا تعلن بثقة واقتدار ولوج مرحلة جديدة في سجل حياتها السياسية.. وتعلن انحيازها لسلطان القانون والمؤسسات وانحيازها الكامل للشفافية والنزاهة سواء قبل أو أثناء أو بعد المواعيد السياسية الكبرى مثل موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.. ليس هذا فقط بل ان بلادنا التي تفخر باستقلال قرارها الوطني وترفض التدخل في الشأن الداخلي وكل أشكال الوصاية التي تبشر بها كثير من الدوائر لم تتردد عن طريق المرصد في دعوة ملاحظين عرب وأجانب علاوة على الفرق الكثيرة من الاعلاميين العرب والاجانب لمتابعة العملية الانتخابية بكل حرية.. وهو ما شكل مصدر فخر لبلادنا بعد الملاحظات الايجابية جدا التي دوّنها هؤلاء والتي كرّست أجواء الحرية والشفافية والنزاهة التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية والتشريعية.. هل يعني كل هذا أننا بلغنا الكمال؟.. وأن ملامح الحياة السياسية الراقية والمتطورة قد اكتملت؟ بالتأكيد لا.. أولا لأن الكمال في أي عمل إنساني غاية لا تدرك.. فما بالك بالتجارب السياسية التي تبقى خاضعة لسلطان المتابعة والمشاهدة والرصد والتعهد بالاصلاح وبتوفير المزيد من الضمانات والآليات الدستورية والقانونية مع تدرجها في الميدان وتجذّرها على أرض الواقع.. وثانيا لأن التجربة التونسية ترفض القوالب المستوردة وترفض النماذج المحنّطة التي تسقط على الشعب إسقاطا وتكون في قطيعة بل وحتى في تناقض أو تصادم مع العقليات الموجودة ومع درجات وعي الناس ونضجهم حتى لا تتحول هوامش الحرية التي تنتجها التجربة الديمقراطية التعددية الى فوضى تشق الصفوف وتهدد البنيان من أسسه.. كما حدث ويحدث هنا وهناك في العالم. وثالثا لأن الرئيس بن علي الذي أطلق هذا المسار منذ بيان السابع من نوفمبر ظل يعمل بدأب وكد وبتصميم وإرادة لا تلين على توفير الاسس القانونية والدستورية وعلى إدخال الاصلاحات اللازمة واللمسات المطلوبة التي تحوّل التعددية والتعايش بين الافكار والبرامج والالوان الى واقع معيش سواء في مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو في المجالس البلدية.. أكثر من هذا، فإن المضامين والاشارات الواردة في خطاب اليمين الدستورية لرئيس الدولة في نوفمبر الماضي امام مجلسي النواب والمستشارين وما حملته من تصميم معلن على مزيد دعم التجربة الديمقراطية التعددية ببلادنا وعلى مزيد تطوير المشهد الاعلامي والنهوض به ليلتحم أكثر بمشاغل الناس ويعكس بوفاء أكبر الحراك الموجود في الساحة جاءت لتوفّر ضمانات جديدة ولترسم ملامح المرحلة القادمة والسبل المؤدية الى مزيد دعم المشهد السياسي ببلادنا القائم على التعدد وعلى دعم الحريات وحقوق الانسان.. إنها دروس وعبر يمكن استخلاصها من نشر التقرير العام للمرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية ومن المضامين والتفاصيل والملاحظات التي طفح بها.. وهي كلها عنوان إرادة سياسية مصممة على مزيد الارتقاء بتجربتنا الديمقراطية ومزيد توسيع هوامش الحريات ودعم حقوق الانسان في إطار احترام القانون وقواعد السلوك الديمقراطي.. وهذه وتلك عناوين تزيدنا فخرا بما تحقق وتزيد الشعب التفافا حول قائده الذي يعد.. وينجز.