لا تخلو بلاطات الملوك والأمراء من طرائف ونوادر وملح وقصص تثير التعجب والاستغراب أبطالها شعراء وأدباء وقصاصون. ورواة كثيرا ما يكون لنسج الخيال فيها النصيب الأوفر والحظ الأكبر ولكنها على كل الأحوال تتوفر على ذكاء وقاد وبديهة فائقة وحسن تخلص عند الشدائد والأخطار ومن ذلك الحكايات والنوادر الكثيرة المتواترة التي جرت أحداثها في عهد هارون الرشيد وكان بطلها الشاعر الماجن المشهور أبو نواس فقد أمر الرشيد يوما بقتل أبي نواس فقال له: أتقتلني بجرم اقترفته أم تقتلني شهوة منك لقتلي؟؟؟؟ قال: بل أنك تستحق القتل من خلال تجاهرك بشرب الخمر حيث تقول لمن كان نديمك: ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر. قال: يا أمير المؤمنين هل أنت معتقد وجازم بأنه سقاني وبأنني شربت فعلا؟ قال: أظن ذلك. قال: فكيف تقتلني على الظن والله تعالى يقول (إن بعض الظن إثم) قال الرشيد قد قلت غير هذا مما تستحق به القتل وذلك بتشكيكك في البعث والجنة والنار فقد قلت: ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة من مات أو في النار قال: يا أمير المؤمنين هل جاءنا أحد ممن مات وأخبرنا بذلك؟؟؟ قال: لا. قال: إذن فكيف تقتلني على الصدق؟؟؟ فقال الرشيد: لقد قلت أعظم من هذا حين دعوت الى عصيان الله جهارا فقلت: يا أحمد المرتجى في كل نائبة قم سيدي نعص جبار السماوات قال: يا أمير المؤمنين فهل صار القول فعلا؟؟ قال: لا أعلم قال فكيف تقتلني على ما لم تعلم؟؟؟ قال: دع عنك كل هذا فقد استوجبت القتل من خلال اعترافك بالزنا في الكثير من أشعارك الإباحية الماجنة، قال: يا أمير المؤمنين قد علم الله قبل أن تعلم أنت أن قول الشعراء لا يدل على الفعل. فقد قال تعالى في الآية من سورة الشعراء [والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون] فقال الرشيد: خلوا عنه. وهكذا ينجو شاعرنا أبو نواس من القتل بذكائه وقوة بديهته وحسن تخلصه ولا يتأتي ذلك إلا لمن أوتي ثقافة شمولية وعلما واسعا في كل باب.