داخل قسم الاستعجالي بالمستشفى توافد العشرات بين مصابين ومعزين وتجندت إطارات المستشفى لاستقبال الجرحى. أما من نجا من الحادث فقد كان يتنقل بين المصابين يسأل عن حال هذا ويواسي ذاك ويطمئن على حال الآخر. كان الجميع يعزي بعضه البعض الآخر ويضمد جراحه وقد اختلف مكان الضمادات والإصابات بينما التف بعض الأقارب حول العريس على أمل تخفيف مصابه ومواساته في وفاة وإصابة العديد من أفراد أسرته. عائلة واحدة وافرة العدد بين شبان وكهول ونسوة، لملمت أفرادها لتكبر الفرحة بمشاركتهم قريبهم بهجة حفل «الصداق» غير أن الأقدار لم تعبأ بكثرتهم وبدل أن يجتمعوا على فرح توزع الحزن بينهم وبدل عبارات التهاني نشطت العبرات وبدل توجههم إلى منزل العرس وجدوا أنفسهم في المستشفى يتقبلون العزاء يلملمون جراحهم وأحزانهم لفقدان الأعزاء. هذا المشهد الكئيب جد فجأة عندما لقي 3 أشخاص من أسرة واحدة حتفهم مساء أول أمس الأحد وأصيب نحو 25 آخرون من نفس العائلة بجراح متفاوتة الخطورة اثر انقلاب حافلة تقلهم على مستوى الطريق الرابطة بين ولاية صفاقس ومعتمدية بوحجلة (القيروان) أثناء توجههم إلى إحدى قرى سليانة لعقد قران أحد أفرادها. وقد تجندت سيارات الاسعاف التابعة للمستشفيات والحماية المدنية لنقل الجرحى إلى مستشفى الأغالبة بالقيروان حيث تلقى المصابون الاسعافات اللازمة وتجند كامل الإطار شبه الطبي والطبي لفائدتهم بينما تولى أعوان حرس وشرطة المرور التحقيق في الحادث. وبحسب ما توفر ل«الشروق» من معطيات أولية عن الحادث فإن عائلة تضم أكثر من 30 فردا اكترت حافلة سياحية ظهر أول أمس الأحد قصد المشاركة في حفل عقد قران قريبهم. غادرت الحافلة احدى قر ى صفاقس متوجهة إلى احدى قرى سليانة عبر القيروان. وعند بلوغها أحد المنعطفات على مستوى المدخل الجنوبي لمدينة بوحجلة (القيروان) انقلبت الحافلة على جانب الطريق مما أدى إلى وفاة شقيقين (شابين) وعم العريس (48 سنة) وإصابة نحو 25 شخصا بجروح متفاوتة علاوة على ما خلفه الحادث من صدمة نفسية لجميع الركاب. «الشروق» تحولت إلى موقع الحادث كما تابعت أطوار إسعاف المصابين قصد التعرف على أسباب الحادث كما التقت أحد الناجين من أفراد العائلة. حافلة الحفل السيد محمد بن عمر سعداوي صهر العريس (57 عاما) كان على وجهه اثر بالغ من الحزن ورغم نجاته من الاصابة إلا أن الفاجعة صبغت وجهه بلونها فكان يتنقل بين أقسام المستشفى يطمئن على صحة هذا وتبادل الصبر والسلوان مع ذلك في مصابهم كما كان يستقبل عددا كبيرا من الأقارب الذين تدفقوا من ولاية صفاقس للاطمئنان على صحة ذويهم فكان يروي أطوار الحادث مباشرة تارة وعبر هاتفه الجوال تارة أخرى. وأكد السيد محمد سعداوي ان جميع ركاب الحافلة هم عائلة واحدة بين أصول وفروع من كهول ونساء وشبان يفوق عددهم 30 نفرا وهم أصيلو منطقة طريق السلطانية (2 كلم عن مدينة صفاقس). وبين أنهم عزموا ظهر يوم الحادث على التوجه إلى معتمدية قعفور من ولاية سليانة لحضور حفل قران أحد أفراد العائلة (شقيق زوجته) وقد حملوا معهم «الهدية» وجميع لوازم الحفل واكتروا للغرض حافلة سياحية لضمان عاملي حسن السير والمرافقة. وأضاف محدثنا ان أفراد العائلة كانوا في بهجة العرس بين الزغاريد والضحك وعبارات التهاني يقطعون المسافة الطويلة بين صفاقسوسليانة على أنغام موسيقى الفرح في انتظار لحظة الحفل. وأكد أنه بعد أكثر من ساعة من مغادرتهم منزلهم بصفاقس وعند بلوغهم المدخل الجنوبي لمدينة بوحجلة عبر الطريق الرئيسية الرابطة بين صفاقسوالقيروان فوجئ السائق بشاحنة نقل خفيفة تضايقه عند أحد المنعطفات مما أربك سائق الحافلة وأفقده السيطرة عليها فترنحت وفقدت توازنها قبل أن تدور في الهواء في أكثر من مناسبة وتنقلب على الأرض. وأكد السيد محمد بن عمر وهو يشيح بعينين حزينتين، ان الحفل تحول إلى فاجعة فانقلب كل شيء رأسا على عقب وقد عجز عن وصف حالة أفراد عائلته عند انقلاب الحافلة مؤكدا ان بعضا منهم توفي وهم شقيقان (ابنا عم العريس) وعم له (تتراوح أعمارهم بين 27 و48 سنة) كما أصيب آخرون بجراح متفاوتة الخطورة. صورة الحادث التي رواها صهر العريس تطابقت مع رواية شهود عيان والجهات الرسمية التي باشرت المعاينة وتفيد ان الحافلة كانت تسير بصفة طبيعية وبسرعة عادية عندما تجاوزتها شاحنة خفيفة (ايزوزو) خالية الحمولة متسببة في مضايقة سائق الحافلة الذي أجبر على تفادي صدمها عند منعطف قريب من مدرسة «الليبية» بمنطقة أولاد عاشور (5 كلم عن مركز معتمدية بوحجلة). ونظرا لخطورة الحادث وتعدد الاصابات بين أفراد العائلة فقد تجندت عديد سيارات الاسعاف التابعة للمستشفيات (بوحجلة وابن الجزار وأولاد الشامخ وغيرهم) لنقل المصابين الذين بلغ عددهم نحو 20 مصابا. إسعافات بالجملة قسم الاستعجالي بمستشفى الأغالبة الذي استقبل الجرحى جند كافة إطاره الطبي وشبه الطبي بشتى الوسائل المتاحة ورغم ضيق فضاء الاستعجالي فإن الاطار تمكن عن جدارة من تقديم الاسعافات اللازمة لجميع المصابين باعتماد أولوية الحاجة للعلاج. وقد تم توزيع 6 مصابين من النساء والرجال بين أقسام المستشفى كما تطلب خضوع احدهم إلى عملية جراحية مستعجلة وهي أخطر اصابة بين الجرحى. وقد تكفل أعوان حرس وشرطة المرور بكل من مدينة بوحجلة والقيروان ومختلف الفرق الأمنية (الطريق العمومي والعدلية..) بمتابعة الحادث والقيام بتحقيق في الغرض. وقد قام أعوان المرور بالمعاينة الفنية للحافلة ولموقع الحادث لتحديد الأسباب والمسؤوليات ولمعرفة ما إذا كانت الشاحنة الخفيفة لامست مقدمة الحافلة مما أدى إلى افقادها توازنها وانقلابها أم لا. وقد تم الاستماع إلى سائق الحافلة التابعة لاحدى الشركات السياحية الخاصة بعد معالجته من اصابة طفيفة على مستوى ساقه اليمنى. وقد تدفق عدد كبير من الأقارب من مدينة صفاقس إلى المستشفى للاطمئنان على ذويهم لكن اللقاء لم يخلو من العبرات. ويفترض أن يكون قد تم إلى غاية أمس الاثنين نقل جثامين الموتى (الثلاثة) إلى مسقط رؤوسهم بولاية صفاقس لدفنهم بعد معاينة ممثل النيابة العمومية.