حاولت أن أمسك نفسي عن شراء الكتب في القاهرة، لكن هذا مستحيل في مدينة تتنفس القراءة ففي كل رصيف وفي كل «ناصية» تنشر الكتب بأسعار زهيدة، كتب في القصة والشعر والرواية والدراسات الأدبية والسياسية وخاصة من منشورات المؤسسات الصحفية الكبرى مثل الأهرام والأخبار وغيرهما من المؤسسات الصحفية مثل الهلال والمصور فالقاهرة تتنفس القراءة كما تتنفس الغبار والتلوث من جبل المقطم ومن عدد السيارات المهول والاستثنائي في مدينة عربية وعدد زائرين لا يقل عن المليوني زائر يوميا. في القاهرة تستعيد شيئا من الطفولة والصبا وتستحضر الشيخ بيرم الخامس الذي لجأ إلى القاهرة بعد انسحاب صديقه الحميم خير الدين التونسي من الحياة السياسية ليؤسس أول جريدة يومية فيها، والقاهرة هي عمر التونسي الذي جاء من غمراسن إلى الجامع الأعظم ثمّ سافر إلى القاهرة ودرس في جامع الأزهر والتحق بدارفور ليكتب عنها أول وثيقة عربية. والقاهرة أيضا هي الشيخ الخضر حسين الذي كان أول إمام غير مصري وربما آخر إمام لجامع الأزهر وقد منحه الزعيم جمال عبد الناصر الجنسية المصرية كما منحها لبيرم التونسي حفيد بيرم الخامس. والقاهرة طه حسين ويوسف شاهين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور والأبنودي ويحيى الطاهر عبد اللّه ونجيب سرور وأم كلثوم وبليغ حمدي والسنباطي ومحمد الموجي وغيرهم من الأسماء التي كبرنا على حبّها وأغنت ذاكرة أجيال بابداعاتها الروائية والشعرية والقصصية والمسرحية والسينمائية. إنها قاهرة المعزّ الذي رحل من المهدية ليبني «قاهرة» تدين لها الدنيا كما كان يعتقد. الأيام التي قضيتها في القاهرة كانت فرصة أخرى لتجديد علاقة قديمة مع عدد من الكتاب والمثقفين المصريين الذين يدافعون عن التواصل العربي ضدّ نزعات الفرعنة التي بدأت تتنامى في مصر للأسف.