كشفت العملية الاستشهادية التي ألغتها مناضلة فلسطينية من كتائب الاقصى قبل ثماني سنوات بسبب ابتسامة طفل اسرائيلي حجم الهوة بين فكر المقاومة وأدبياتها وأخلاقياتها من جهة وفكر الاحتلال القائم على اغتصاب الارض والعرض دون وازع أخلاقي ولا ديني. فقصة هذه الاستشهادية التي غادرت السجن لتوّها بعد سبع سنوات قضّتها في زنازين الاحتلال عقوبة لها على مجرد التفكير في تنفيذ مثل هذه العملية تلخّص جوانب مهمة من عقيدة المقاومة القائمة على ضرب الأهداف العسكرية للمحتل وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بها دون المسّ بمن ليس له يد أو قدرة على إيذاء الفلسطينيين ومقاتلتهم واخراجهم من ديارهم، كما هو شأن الطفل الذي كان سببا في تراجع عرين عن تنفيذ عمليتها وفي مراجعة حساباتها. ومع أن هذا الطفل قد يُصبح يوما جنديا اسرائيليا يُقاتل كما يُقاتل آباؤه اليوم كما ذكرت عرين في شهادتها فإنه يبقى آنذاك (عام 2002 حين كان عمره عاما واحدا وهمّت الفدائية بتفجير حزامها الناسف لولا ابتسامته) في حكم البريء، وهذا ما يُعطي المقاومة قدرا عاليا من الاحترام والسمو على فكر الانتقام والتنكيل. وفي مقابل هذه الصورة الراقية تقفز الى الأذهان صورة أشلاء الأطفال الفلسطينيين خلال العدوان على غزة وقبله خلال الاعتداءات الوحشية التي عاشتها الضفة الغربية عام 2002 والتي كانت سببا مباشرا في أن تفكّر عرين في تنفيذ تلك العملية التي لم يُكتب لها التمام. هما صورتان متباينتان تعبّران عن ثقافتين مختلفتين، ثقافة المقاومة والدفاع عن الأرض والتوق الى عيش كريم والانعتاق من الاحتلال وثقافة سرقة الأرض والاعتداء على أصحابها وقتل الصغير قبل الكبير بدعوى أنه «مشروع ارهابي» وما هو إلا ملاك طاهر لا يفقه من أمور هذه الدنيا شيئا... هذه هي عقيدة الصهاينة التي تغذّيها الفتاوى المتطرفة، وهذه هي أخلاقهم إن كانت لهم أخلاق وتلك هي عقيدة المقاومة وأخلاقها السمحة وفكرها الراقي المتعالي عن سفاسف الأمور وعن أساليب الغدر والخيانة والغلظة والانتقام.