أثار باحثون ومختصون في القانون في العديد من النقاشات والندوات المشاكل المتراكمة لقضايا الشيك دون رصيد وخاصة المسائل المتعلقة بحالات الضياع والاحالة على النيابة العمومية. واعتبر العديد من أهل الاختصاص بأن الاحصائيات المقدمة رسميا لا تعكس الصورة الحقيقية لقضايا الشيكات. وتفيد بعض الأرقام بأن قرابة 22 مليون شيك تم تداولها سنة 2009 فقط، وهو ضعف عدد سكان تونس. احصائيات من خلال الأرقام الرسمية التي قدّمتها وزارة العدل وحقوق الانسان، في النشرية المقدمة بعنوان سنة 2008 فإن المجموع الجملي لتوزيع القضايا الواردة حسب المادة، اي في مستوى النيابة والجناحي والمدني والمخالفات والتحقيق والجنائي والاتهام مليونين و624 ألفا و346 قضية، وتفيد المصادر الرسمية بأن نسبة التراجع منذ سن قانون سنة 2007 والمتعلق بتنقيح المجلة التجارية بلغت أكثر من 12 بالمائة او ما يقارب 14 ألف قضية مما يعني بأن القضايا المسجلة تجاوزت 112 ألف قضية ويمكن ان تقارب 113 ألف قضية حسب آخر الاحصائيات بالنسبة الى القضايا المسجلة، اذن يمكننا ان نستنتج بأن عدد قضايا الشيك دون رصيد وحدها تمثل قرابة الخمسة بالمائة من مجموعة القضايا. وهذا فإنه يمكننا ان نستنتج بأن بين 22 مليون شيك يعود أكثر من 13 ألفا دون رصيد تتوجه جلها الى القضاء. تنقيح دون حل ومن هنا يظهر الاشكال الذي أصبح عليه القانون المتعلق بالشيكات اذن وحسب الخبراء فإن تنقيح سنة 2007 لم يحلّ المشكل. ويذهب الأستاذ الهادي كرّو الى أنه «ان تم تعريف جريمة الشيك دون رصيد وبعقابها فإنه لم يتم التعرف على مبررات التجريم لأنها تكمن في الوظائف الكبرى التي يقوم بها الشيك في الميدان الاقتصادي والمالي والتي لم يطلها المتعاملون سواء وُجد الرصيد أم لم يوجد». ويعتقد الاستاذ كرّو بأن التعامل بالشيك في تونس لم يتعد حدود قدراته الدنيا ووظائفه البسيطة المتواضعة. ورغم أن المجلة التجارية أتت على جل الاشكاليات المطروحة في مادة الشيك عموما والشيك دون رصيد خصوصا الا انها حسب الأستاذ كرّو «بقيت نصوصا نظرية لا أثر لها في التطبيق» مما يعني بأن تلك النصوص «بقيت مفاهيم غير معروفة في المجتمع التونسي وخاصة من الناس الأكثر تعاملا بالشيك» وبالنسبة الى الأستاذ الهادي كرّو فإنه «ولئن تضمنت تلك النصوص القانونية ان الشيك ورقة إذن بالدفع وأنه أداة سهلة التناول قادرة على نقل المال حينا من ذمة الى أخرى وهو يقوم بوظيفة نقدية تسهل سحب الاموال وأن التعامل به يثبت الإبراء الذي يحتفظ بأدلته المسحوب عليه الذي تولى الاداء، فإن هذه النصوص بقيت مفاهيم غير معروفة في المجتمع الذي وضعت له» ومن المؤكد، حسب رأيه أن نية الابقاء على التجريم مازالت قائمة رغم شدة العقاب ورغم ضعف الشيك بعد ان تظافرت القوانين والتراتيب على الحاقه به تدريجيا مع تجريده من المقومات التي تبرر التجريم والعقاب حتى أصبح لا يمارس التعامل به الا في أبسط معانيه». ويضيف ايضا «لا يوجد فرق اليوم في المعاملات بين الشيك والاتفاق الأصلي الذي تسبب في ايجاده ولا يعدو ان تكون للشيك قيمة الاتفاق الثنائي بين الدائن والمدين يضاف له تدخل المستفيد» لتصبح العلاقة الاصلية في الشيك مجرد اتفاق ثلاثي، حسب رأيه بين الساحب والمسحوب عليه والحامل لا مجال فيه للانتقال والتظهير بأي عنوان كان». قرار مخالف للدستور ومن الملاحظ ان وضعية الشيك في تونس تطوّرت من مرحلة الى أخرى وذلك تبعا لكل تنقيح وذلك منذ صدور المجلة التجارية سنة 1959 الى حين تنقيح سنة 2007. وقال الاستاذ كرّو إن الجمعية المهنية لبنوك تونس وأمام المشاكل التي خلقتها وضعية الشيك، أصدرت في 2 مارس 2000 رسالة تطلب فيها من رؤساء البنوك أخذ التدابير اللازمة حتى «لا يسلّم للحرفاء الا صيغ شيكات مسطرة وذلك بداية من غرة مارس 2000». واعتبر ان قرار الجمعية التونسية للبنوك مخالف للدستور وللقانون «لأن مجلس النواب وحده هو القادر على سن القوانين وتحويرها والغائها...» وبذلك فإن قرار هذه الجمعية عطّل تطبيق العديد من فصول المجلة التجارية خاصة المتعلقة بانتقال الشيك وهي الفصول من 359 الى 370 كما اعتبر الاستاذ كرّو ان قرار الجمعية لا يبرر تطبيق العقاب بالسجن والخطية والعقوبات الاخرى عند انعدام الرصيد لأن حسب رأيه لم يبق بعد تحجير التظهير معنى للشيك، وبذلك فإنه لا معنى لتحريم اصدار الشيك دون رصيد رغم المزاحمة التي أصبح يلاقيها الشيك من قبل البطاقات البنكية الالكترونية. عقابان لشيك واحد من جهة ثانية يرى الاستاذ منير بن صالحة المحامي والباحث بأن الشيك دون رصيد مازال يمثل تهديدا جديا للدورة المالية والاقتصادية إذ أن المشرّع مازال يرتب على إصدار الشيك دون رصيد عقوبة جزائية بالسجن وبالتالي يظل التهديد أيضا قائما في وجه مستعملي الشيك، هذا فضلا عن خطورة المس من المعطيات الشخصية بعد سن القانون المتعلق بنظام قاعدة البيانات وإقصاء «المخالفين» من المعاملات مع المصارف والمؤسسات المالية وبالتالي عزله وهو أمر يلحق ضررا للنظام المالي عموما. أما بالنسبة الى حالات ضياع الشيك، فإن من فقد شيكا عليه أن يبلغ عن ضياعه المؤسسة البنكية التي يعود لها بالنظر، وبإمكانه استخراج شهادة ضياع من مركز للشرطة ويعلم البنك للقيام باعتراض على الشيك الضائع، وفي صورة استعمال هذا الشيك، من قبل شخص آخر فإن أمضاه أو أدخل عليه أي تغيير فإنه يكون بذلك ارتكب جريمة التدليس وخلاف ذلك فإنه ارتكب جريمة السرقة. أما بالنسبة الى النيابة العمومية، يقول الاستاذ منير بن صالحة إنها تثير الدعوى العمومية في خصوص الشيكات عن كل شيك بمفرده فتكون قضية عن كل شيك، ومن حق المحكمة النزول بالعقاب دون النزول به عن العشرين سنة سجنا في صورة كان عدد الشيكات المتعلقة بالجريمة يفوق عقابها مجتمعة العشرين عاما. وقال محدثنا إن المشاكل الحقيقية في هذا هي المرتبطة بمسألة الاعتراض، إذ أن الاعتراض لا يشمل إلا حالتين وهما السرقة أو الضياع بالنسبة الى الشيكات. ويصادف أحيانا أن يعترض الشخص في غير الصورتين المذكورتين ويعترض مثلا في حالة إصدار شيك دون رصيد، فتتم معاقبته، وبذلك يجد نفسه إزاء عقابين لنفس الجريمة، عقاب في خصوص الاعتراض وعقاب في خصوص إصدار شيك دون رصيد. وقال الاستاذ بن صالحة إن ذلك يخلق مشكلا قانونيا وإجرائيا لذلك طالب بضرورة توسيع صور الاعتراض. إعادة النظر إذن فضلا عن الاشكاليات الاقتصادية والمالية التي يطرحها القانون المتعلق بالشيكات وخاصة منها الشيكات دون رصيد، فإن العديد من الاستتباعات خاصة القانونية تنجرّ عن المعاملات بالشيكات في ضوء تشريع قانوني يعتبر مختلا من عدة زوايا على الاقل بالنسبة الى المختصين، وبالتالي فإن إعادة النظر في القاعدة التشريعية للشيك من جهة والمعاملات المالية عموما أصبح أمرا تفترضه المرحلة خاصة أمام التطورات المتلاحقة والمتسارعة التي تشهدها الخدمات البنكية والمصرفية عموما... فهي تتجه أكثر نحو ما هو إلكتروني وافتراضي، إذن الرهان أصبح أكبر.