ماذا جرى لمثقفينا وتحديدا الذين عارضوا أنظمتهم وهاجروا (لبلاد الحرية وحقوق الانسان حسب مزاعمهم) باعتبار انبهارهم بالغرب عموما وبالتالي السماح لأنفسهم بالكيل لبلدانهم متى سنحت الفرصة وآخر شطحات هؤلاء هي للدكتور الهادي شلوف الذي استضافه برنامج الاتجاه المعاكس حيث من شدة انبهاره بالغرب وتذيله له لم يستح من تمجيد الاستعمار واعتباره أرحم من الانظمة العربية القائمة. بل وظل يمجد ويجمل الاستعمار ويعزف على أوتار محاسنه. وكأنه يصف امرأة جميلة بل غاية في الجمال بل أبدى استعداده الى الدخول الى أي بلد عربي على ظهر دبابة (لتحرير) ذلك البلد من «استعمار» الانظمة؟ ومن هنا انزلق الدكتور شلوف واختلطت عليه السبل واصبح لا يميز بين الاستعمار والانظمة والوطن الذي تخلص من هيمنة الاستعمار وراح يعدد مناقب هذا المستعمر ويحن الى عودته اليوم قبل الغد وعليه نقول له بأن كلامك عن الاستعمار وتمجيدك له لا يدخل الا في خانة خالف تعرف او انك تعرضت الى عملية غسل دماغ شديدة الى درجة انك لم تعد قادرا على التمييز بين الاستعمار وما أتاه في حق الشعوب والدول من مآسي وويلات وبين الانظمة الحاكمة. فالانظمة يا سيدي تتغير بحكم التداول على الحكم ولكن الاستعمار يبقى جاثما على صدور الشعوب يستغل خيراتها ويستبيح عرض شعبها ولن ينجلي عن أراضيها الا بنضال الشرفاء ومقاومة الوطنيين. فبأي منطق تتحدث يا دكتور حين تبدي استعدادك للدخول الى اي بلد عربي على ظهر دبابة قصد «تحريره» فهل ما فعله الاستعمار في الجزائر وتونس وبلدك ليبيا وبسائر البلاد العربية، بالشيء الهين. نعم لقد اختلطت عليك النفقة بالحضانة وضاعت بك السبل الى درجة انك اصبحت تكيل أبشع النعوت جزافا الى كل الانظمة العربية على انها أنظمة (مجرمة) وان سجونها (ملآى) وغيرها من الترهات ولكن مهما كانت تصرفات هذه الانظمة فهي لا تصل الى ما وصلت اليه تصرفات المستعمر وعليك يا دكتور ان تسأل أجدادك عما عانوه من سطوة المستعمر وجبروته ولك في عمر المختار أسوة حسنة. بل لديك في التاريخ المعاصر أكثر من شاهد على قسوة المستعمر ويكفيك ان ترى ما يجري في العراق على يد محرريه من الامريكان ومن دخل معهم من «المحررين» على ظهور الدبابات لتقف على حقيقة ما تدعو اليه من أفكار والتي لا ولن يستقيم لها معنى لدى العقلاء. فلا بد أن نفرق بين الحفاظ على استقلال البلاد العربية من براثن الاستعمار بعد نضال كل الشرفاء والوطنيين ضد هذا الاستعمار البغيض وبين الانظمة الحاكمة، نعم كل العقلاء يفضلون ان يحكمهم ابن البلد ولو كان عبر نظام عربي على أن يحكمهم الاجنبي. أما الاستعمار فهو يعني ببساطة الخراب بأبشع صوره فلا يسلم منه لا البشر ولا الحجر ولا الشجر رغم ما يدعيه البعض بأن للاستعمار ايجابياته المتمثلة خاصة في مد خطوط السكة الحديدية والطرقات وتشييد الجسور وغيرها... لهؤلاء نقول نعم، لقد أنشأ الاستعمار كل هذا ولكن ليس لفائدة أبناء البلد بل لتحقيق مصالحه هو، فهي التي فرضت على المستعمر انجاز مثل تلك المنشآت. اذا كان رأي الدكتور في الانظمة والاستعمار كما أسلفنا فما ذنب الشعوب حتى تيكل لها أبشع النعوت (الشعوب منبطحة ومذلة وليست واعية) نعم نفهم نقمتك على الانظمة ولكن ما لم يستسغه العقل الأسباب التي دفعتك الى التهجم على الشعوب العربية، فهل في نظرك تصبح الشعوب (واعية) حين تهب ضد أنظمتها وتتسبب في تفجير الاوضاع وترمي بأوطانها في أتون من الفوضى (الخلاقة) حتى ترضى عنها ويرضى عنها من لقّنوك مثل هذه (الثقافة الخلاقة) وبذلك يتحقق حلمك الذي مفاده عودة الاستعمار وربما باعتبارك متيما بالفكر الاستعماري ينصبونك حاكما على أحد هذه الدول العربية (المحررة). فما هذا الوضع المقلوب الى درجة أننا أصبحنا نقبل عودة الاستعمار الى البلاد العربية باعتبار ما يمثله من مزايا وما يحمله من مكاسب حسب أبواق الدعاية الغربية وتحت يافطة (تعفن) الانظمة، ولكن الخطير في كل هذا هو أن غسل الادمغة طال حتى النخبة المثقفة التي كنا نعتقد جازمين أنها القاطرة والرافد لكل تحول ايجابي في بلادنا العربية ولكن بحكم انبهارها وتذيلها الى المستعمر القديم لم نعد نثق في مثل هذه النخب، بل خيبت كل الآمال المعقودة عليها. نعم نذهب الى ما ذهبنا اليه باعتبار ان السيد شلوف من حاملي شهادة الدكتوراه وعضو في المحكمة الجنائية الدولية فهل نال كل هذه المناصب العليا ليدافع عن الحق ويدعم مكانة البلاد العربية في المحافل الدولية أم ليمرغ رأسها في التراب ويفضل عودة المستعمر اليها على استقلالها ربما لهذا المنطق بالذات بوأه المستعمر القديم بعد أن نجح في غسل دماغه ولقحه ضد كل ما هو عربي هذه الدرجة العلمية وهذا المنصب الدولي الرفيع... نتمنى أن نكون مخطئين في استنتاجنا...