«حياة تجارب»، «اعتراض مبدئي»، «الجنون الغربي» نقض الجنون... مجموعة من العناوين اختارها الاستاذ محمد المزوغي أن تكون إشكاليات يطرحها في كتابه «في نقد ما بعد الحداثة»، «فوكو والجنون الغربي» بعد أن كان «نيتشه والفلسفة» محور تحليلاته في الجزء الاول. «فوكو والجنون الغربي» جاء في 168 صفحة عن «المغاربية لطباعة وإشهار الكتاب» «منشورات كارم الشريف». «أعتقد أنه من الصحيح القول إن أعمال ميشال فوكو لا تترك أي قارئ إلا وتؤثر فيه أو تبدّله...» هذا ما افتتح به محمد المزوغي تحليلاته النقدية حول كتابات فوكو ومن الواضح أن المزوغي هو الآخر من ضمن المتأثرين بأعمال فوكو وفلسفته وهو ما جعله يختاره كمحور لحديثه في هذا الجزء الثاني من «في نقد ما بعد الحداثة». ومن المواضيع المهمة التي طرحها الاستاذ محمد المزوغي في هذا الكتاب الفترة التاريخية التي عاشها فوكو والتي هيمنت فيها الفلسفة الوجودية والماركسية كما جاء على مراحل عديدة من حياة فوكو وعرّج على حياته الشخصية وأورد البعض من صفاته «كل الذين عرفوا فوكو، عبّروا عن شعورهم بالحرج من شخصيته الملغزة العصية على الفهم والمتقلّبة كثيرا»... غير أن المزوغي يقول في دفاعه عن فوكو: «إن عاينّا الوقائع وسير الحياة يبدو في نهاية المطاف أن كل واحد منا هو تقريبا نسخة شبيهة من فوكو...» أي أن الكاتب يرى أن شخصية فوكو طبيعية لأن كل إنسان في ذاته القليل منها (أي من شخصية فوكو). العقل ونقيضه ومن العناوين التي تشدّ قارئ هذا الكتاب «العقل الغربي ونقيضه» الذي أتى فيه الكاتب على تصوّر فوكو للجنون من خلال كتابه «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» وذلك من خلال قوله: «الجنون لا يوجد إلا في المجتمع» يعني ليس هو بخاصية أو كيانا له وجوده الذاتي بل هو من صنع الوسط الاجتماعي الثقافي». غير أن محمد المزوغي يرى أن فوكو وضع منذ البداية قارئه في موضع حرج لأنه من المفروض على حد كلامه أن يتكتم عن الفترة التي أزمع تحديد مجال بحثه فيها وإذا به يفتح كلامه لفحص عن الاشكاليات في عصر غير عصرها»... تداخل فلسفي إن المتأمل في هذا الكتاب يلاحظ التداخل الفلسفي بين كتابات فوكو وكتابات محمد المزوغي النقدية فالرجل متأثر بفوكو مثلما لاحظنا تأثره بنيتشه وخاصة من خلال العناوين التي اختارها لفصول الكتاب، فهي فلسفية بحتة وهو ما جعل كتاباته النقدية سلسة الفهم تجلب القارئ منذ الاسطر الاولى. محمد المزوغي اختار أن تكون خاتمة قراءته النقدية بالجمع بين تشومسكي وفوكو. «تحرير المثقف من الخصوصية» من خلال تصوّر فوكو للمثقف الخصوصي ونقد تشومسكي للنظريات الفلسفية التي تضع اللغة كنتاج لسيكولوجيا الفعل ورد الفعل»... ومن جانب آخر يرى المزوغي أن تصوّر فوكو هو إرث رديء وكارثة على النظر والعمل. هكذا كانت قراءات محمد المزوغي النقدية في «فوكو والجنون الغربي» ملمّة وشاملة إيجابية أحيانا وسلبية أحيانا أخرى.