حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي في آخر حلقة أمس، سألت «صاحب المذكرات: «ألم يكن زملاؤك في الحكومة والحزب، ينظرون إليك على أساس أن لك حظوة، أكثر منهم، لدى بورقيبة، فأنت الوزير الذي يقود أكثر من وزارة؟».. عن هذا السؤال يقول «سي أحمد» بن صالح: «القضية ليست قضية انطباع.. زملائي في الحكومة وفي الديوان السياسي، كانوا موافقين على كل الخطوات والبرامج التي كانت توضع من أجل تحقيق تنمية شاملة.. وقد رأينا كيف أن موضوع التخطيط، بعد أن كنت في وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، جاء بطلب من بورقيبة.. وكان لا بدّ وأن ترتبط المالية بالتخطيط حتى يقع تفادي التراخي في التنفيذ.. أما بالنسبة للفلاحة، فقد أشرت في السابق، أنني لم أقبل الحقيبة، وقلت لبورقيبة: أنا بشر.. فعقد الرئيس جلسة أخرى، حضرها الباهي الأدغم الكاتب العام للرئاسة والطيب المهيري وأحمد بن صالح وبورقيبة الإبن، وقد ألحّوا عليّ جميعهم الى جانب الرئيس بورقيبة.. وكان ذلك عقب مؤتمر بنزرت 1964.. وبالنسبة لي، كان ذلك مقنعا، من حيث أن وزارة التخطيط كانت تهتم بالفلاحة والميدان الفلاحي عموما.. لأن المخطط كان فيه اهتمام كبير بالجانب الفلاحي.. حين تعودين الى الأرشيف، فإنك ستجدين أن قسط الفلاحة في الميزانية كان أكثر من عشرين بالمائة (20٪).. فقد اعتمدنا الاستثمار في الفلاحة.. والفلاحة التونسية لم تزدهر هكذا، لكن نجد أن بعد الأزمة (1968 1969) تراجعت مساهمة الفلاحة في الميزانية.. ففي عشرية الستينات، ورغم كل ما يتطلبه التجديد للوضع الاقتصادي والقروض والجفاف، فإن معدل النمو في فترة الستينات، التي نتناولها الآن، لم ينزل تحت سقف 5٪.. وأقصد هنا الدخل الداخلي الخام PIB، إلا مرة واحدة فقط، نزل المعدل تحت الخمسة بالمائة ثمّ سرعان ما عاد الى ما كان عليه.. وهنا أسوق مثالا على هذا التراجع، فبعد أن غادرت الحكومة، جاء منصور معلّى وزيرا للتخطيط وقدّم تقريرا، وبعد أن قدّمه أزيح (سي أحمد قال بالدارجة طيروه).. لماذا؟ لأنه قال ان تونس عرفت اقلاعا قويا أو ملفتا «La Tunisie a connu, un démarrage saisissant..» ناهيك أن سياسة تونس في مجال الاقتراض، لم تكن تنتابها مشاكل.. فهناك عناية من حيث الالتزام والتنويع في مصادر القروض.. والتعهدات موجودة، وكانت إما بالأرقام أو تعهدات سياسية.. كما أن المساهمة التونسية تحسّنت في مجال التنمية بعد مؤتمر بنزرت بالخصوص.. وهنا أؤكد أن ديوننا لم تصل يوما الى مستوى نصف المدخول، أي أن التداين التونسي، لم يصل الى نصف المداخيل..» وهنا قلت ل«سي أحمد»: هل كان التداين من نفس المجموعة من الدول التي كنت ترأس اجتماعات ممثليها هنا في تونس؟ فقال بسرعة: «نعم، كانت تونس تقترض من عديد البلدان منها كندا وفرنسا والسويد وأمريكا وهولندا وفنلندا وإيطاليا وانقلترا.. وصلنا في وقت ما الى ما يقارب الاثني عشر (12) دولة مساهمة، وكان الاجتماع سنويا، يشبه جلسة جلسات البرلمان للنظر كل سنة في الميزانية وما فات من مشاريع وما هو آت.. وكانت الكتابة العامة للجلسة من نصيب البنك الدولي.. من جهة أخرى، وفي رصد بسيط لفحوى خطابات بورقيبة فترة الستينات، كان يتحدث عن التدرّج في انخفاض الاقتراض، وصعود المساهمة الوطنية البحتة.. والدليل هنا على الصحة الحقيقية لتطور الاقتصاد التونسي لم يغب عنّا أي طرف من المساهمين في التنمية من البلدان الأجنبية.. لم يكن في هذا الأمر إعانة.. والجميع كان يبدي ملاحظة أساسية: أن التنمية والبرامج التنموية شملت كل الجهات في البلاد.. وهنا أسأل: ما هي الجهة التي حرمت من التنمية؟ لقد طالت المشاريع والاستثمارات، كل المناطق من القصرين الى سوسة ومن قفصة الى بنزرت ومن القيروان الى قليبية.. كل الجهات دون استثناء.. كانت في قلب مشهد التنمية.. القضية عندي هي كيف تنهض تونس عبر مثال تنمية شامل من حيث النوعية (القطاعات) وشامل من حيث الجغرافيا.. لتطال كل البلاد.. الذي وقع أن هناك أطرافا من الداخل ومن الخارج، بدأت تتحدث عن بن صالح على أساس أنه الوزير الأقوى لفترة الستينات «Le tout puissant ministre des années soixante».. ما حصل لأحمد بن صالح، لا علاقة له بالاقتصاد، والدليل أن الوزير الذي جاء الى نفس المنصب بعدي، تحدث عن اقلاع مدهش أو ملفت لاقتصاد تونس.. لم يكن للأمر علاقة، أيضا، بالتنمية الاقتصادية، ولا بالتعاضد كنهج وضحته ووضحت أسسه، عبر هذه الحلقات.. طبعا هنا أقول: «اللهمّ أولئك الذين لم يتقبّلوا أن تقلع تونس في ظرف سنوات قليلة بعد الاستقلال وانطلقت وصعدت بطريقة خاصة.. كان يجب حسب منطق هؤلاء تعطيل هذا المسار.. ثم في الآن ذاته، لا يجب أن ينسب الى فلان» ويقصد (أحمد بن صالح)..