رغم الحزن السائد وحالة التألم الواسعة التي جعلت من قصائده طقطقة عظام وصراخات توجع وتألم يحافظ الشاعر على نفس التحدي والأمل وتحمل قصيدته نوعا من الخطاب الشعري الصامد في وجه الاحتلال وقد عبّر عن ذلك بأساليب لغوية مختلفة ففي قصيدة معذبو السماء يعلن «قيامة» الشعب بكل شجاعة وهو بذلك يرتدي الخطاب الديني والمصطلح الديني ليرمز الى السياسي فلا أحد يستطيع إعلان القيامة ولا أحد يرغب فيها نظرا لطابعها المخيف ان «القيامة» تحيل على الحساب المقدس العادل وعلى الموت الجماعي واللحظة الحاسمة في الحياة بما فيها من عذاب وأهوال صورها النص القرآني والشاعر هنا يستدعي صورة تلك الأهوال ليشير الى اللحظة العراقية الحاسمة والمريرة.. شعب يذوق الويل لم يعد له حياة يخسرها بعدما جرى له يهب ليدافع عن نفسه ولم تعد تقف أمامه حواجز تمنعه من الدفاع عن نفسه... ان إعلان «القيامة» تعبير قد يتضارب مع الخطاب المقدس ولكنه تشبيه لشجاعة شعب وأهواله في منعرج أليم. «نحن أبناؤك الموتى أعلنا قيامتنا قل لأنبيائك ان يفتحوا لنا الأبواب أبواب الزنازين والفراديس قل لهم اننا آتون صعيدا طيبا تيمما الملائكة تعرفنا واحدا واحدا». اما قصيدة عراقيون أحرار ففيها تحدي للمحتل بخطاب واضح يعلن رفض الاستسلام والخضوع «لن نرفع أيدينا في الساحة حتى لو كانت أيدينا لا تحمل أسلحة نحن سلالة أفعى الماء الأول نحن سلالة من عبدوا ثيرانا تحمل أجنحة وسلالة من عبدوا نيرانا في قنن الثلج ولم نرفع أيدينا الا للأحد الواحد حين وهبناه نبوتنا نحن سلالة من رفضوا عربات الرومان فما انقضوا لن نرفع أيدينا في الساحة لنرفع أيدينا في الساحة لن نرفع أيدينا» لكن الحديث عن المأساة يصبح اكثر جرأة وفنية وحرقة حينما يتوغل الشاعر في شجن الذات ويختار الذات زاوية يعبر منها عن المأساة حيث يبدو الاضطراب والحيرة والحنين... يخرج الشاعر من المفردات الاخبارية الى الطبيعة الغناء فيختار منها ألوان الحزن والألم «في الضاحية القصوى حيث أقيم بعيدا عن رئة الضبع اهتزت اشجار الدغل وئيدا أسرع طير يعبر نافذة المطبخ قررت الليلة ان اترك تدخيني لكني شان قراراتي الأخرى سوف أدخن حتما أشجار الدغل تطوح أوراقا وأماليد.. الريح تسوق غيوماسوداء وحبالا من ماء وروائح ليست من هذي الارض». ... لقد استنجد سعدي يوسف بالطبيعة لتصوير الاضطراب النفسي والاجتماعي الحاصل ورسم مشاهد مضطربة اعتمد فيها على العنصر الطبيعي واليومي ومثل ذلك قصيدة الأشياء تتحرك «الغيوم الصدف والغصون الزمرد والزنبقات وأزهار لا تنسى والنوافذ والمصطلى والستائر والعشب بين شقوق الممر وأعشاش نيسان حتى المحطة في المنتأى كلها الآن لا تتحرّك» يتقن سعدي يوسف كتابة الحزن والجمع بين الذاتي والعام وبين الواقعي والفني حتى لكأن قصيدته تبدو مكتنزة اكثر وحبلى بالمعاني... وكلما أعدت قراءتها إلا وأبحرت في جوانب من الحزن البغدادي حتى لكأن القصائد كتبت بأنياب حادة..