أثارت الزيادة الاخيرة في أسعار المحروقات ردود فعل متباينة لدى المواطنين وصلت حد التناقض في تقييم هذا الاجراء الذي يبقى أصحاب السيارات أول المتضررين منه بعد سلسلة الزيادات المتتالية التي أحدثت اختلاطا واضحا في ميزانيتهم وزادت من المصاريف التي يخصصونها للسيارة حتى أصبحوا غير قادرين على مواجهتها في كثير من الاحيان، فكان ملاذهم التخلي عنها. فكيف يقيّم هؤلاء هذا الاجراء وما هي الحلول التي يرونها مناسبة للتعامل مع هذه الوضعية الجديدة؟ وللتذكير، فإن اجراء الترفيع في أسعار المحروقات شمل كل أنواع المحروقات حيث كانت الزيادة ب50 مليما للتر بالنسبة الى البنزين بنوعيه الرفيع العادي والخالي من الرصاص وذلك بالنسبة الى الغازوال وبترول الانارة وب20 مليما للكلغ بالنسبة الى الفيول. وبذلك يصبح السعر الجديد المعتمد 1320 مليما للتر الواحد بالنسبة للبنزين الرفيع العادي وكذلك بالنسبة للبنزين الرفيع الخالي من الرصاص، في حين أصبح سعر اللتر من الغازوال العادي 960 مليما والغازوال الرفيع 1150 مليما. وفي حين ترجع المصادر الرسمية هذه الزيادة الى ارتفاع أسعار المحروقات في الاسواق العالمية وارتفاع تكلفة الطاقة ببلادنا، فإن عددا كبيرا ممن تحدثنا اليهم أبدوا تذمرا من هذه الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات، لكنهم لم يخفوا في خضم كل ذلك تفهمهم لهذه الوضعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالسوق العالمية وخضوع بلادنا لنسقها. عبء ثقيل أول من التقيناهم كان السيد عمر الفرجاني الذي كان يعاين سيارته ويتفقدها قبل الانطلاق نحو وجهته، وقد بدت على ملامحه معالم التعب والاعياء بعد رحلة يوم من العمل زاده طرح هذا الموضوع تجهما، حيد أبدى تذمرا واضحا من هذه الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات والتي قال عنها انها تأتي لتزيد من تأزم وضعية أصحاب السيارات الذين لم يعودوا قادرين على مواجهة الكم الهائل من المصاريف التي أصبحت تتطلبها عملية التزود بالوقود. ويضيف قائلا إن الزيادات المتتالية التي شملت أسعار المحروقات جعلتني أنفر من استعمال السيارة، حيث أصبحت تمثل عبئا ثقيلا على أصحاب الدخل المحدود والمتوسط. ويؤكد رأيه قائلا ان من يملك سيارة هذه الأيام يجب ان يكون «جيبه مليان» وغير ذلك، فإنه لن يقدر على مجابهة مصاريفها. بدوره، يقول سامي مبروك انه استغرب كثيرا من الزيادة الاخيرة، وقال انه يرى انها «مجانية». ويتساءل اذا كانت الاسعار في بلادنا مرتبطة بتقلبات سوق النفط العالمية، فلماذا اذن لا نعرف في بلادنا غير الزيادات، لمَ لم يتم التخفيض في الأسعار حين تدنت أسعار برميل النفط في السوق العالمية الى أدنى مستوياتها. ويشير في هذا السياق، الى مفارقة تبدو عجيبة غريبة وهي رغم هذه الزيادات وارتفاع تكاليف السيارة، فالمواطن التونسي يبدي لهفة كبيرة عند الشراء ولا يكف عن التفكير في ضرورة شراء سيارة. نفس الرأي يدعمه فيه عدنان الكراي الذي قال إن أسعار المحروقات مرتفعة كثيرا لدرجة ان الواحد منا اصبح يتقشف كثيرا عن استعمال السيارة. وأضاف ان الزيادات المتتالية للأسعار جعلت المواطن يعاني كثيرا، لأنه يجد نفسه غير قادر على مجابهتها. ويذكر على سبيل المثال ان من يريد مثلا أن يقصد وجهة بعيدة، فإنه سيضطر الى صرف الكثير من الأموال مقابل التزود بالبنزين، ويقول إن أسعار النقل العمومي مثل القطار شهدت ارتفاعا هي الاخرى. تفهّم ولكن؟ مواطن آخر ممن التقيناهم كان أقل انفعالا حيث قال انه يتفهم جيدا هذه الوضعية لأن الزيادة في أسعار المحروقات ليست مقتصرة على بلادنا على حد تعبيره. ويضيف ان العيب يكمن ايضا في السائق التونسي الذي لو أجاد التعامل مع سيارته، لوفّر كثيرا في ماله وجهده ووجد راحة البال. ويتساءل لماذا يصرّ أصحاب بعض السيارات على الدخول بسياراتهم الى وسط العاصمة في حين أنهم سيصلون مقاصدهم في وقت أقل اذا ما استعملوا وسائل النقل العمومية؟ ومن ناحيته قال محمد الدريدي ان ارتفاع المحروقات لا يرتبط ببلادنا بل يتجاوزها ليرتبط بالسوق العالمية، فنحن في بلد لا يتوفر على طاقات انتاجية في مجال المحروقات ونعتمد كثيرا على تصدير هذه المادة لذلك نحن نخضع لمنطق السوق العالمية كثيرا. رأي دعمه فيه ايضا صديقه محرز بن عمار الذي قال ان انتاجنا المحلي من البترول غير كاف ولذلك نضطر الى دفع «فاتورة باهظة الثمن» بسبب ارتباطنا بالسوق العالمية كما ان عدد السيارات تكاثر بصفة خيالية في مدة وجيزة، ومشاكل الطاقة من اكثر المشاكل التي نواجهها وسنظل نواجهها مستقبلا لذلك يرى ان الحل في هذه الحالة يكمن في الاتجاه نحو توريد أنواع جديدة من السيارات التي لا تعتمد كثيرا على المحروقات المتداولة في بلادنا حاليا، وانما نتجه أكثر فأكثر الى استيراد سيارات مثل تلك الموجودة في أوروبا والتي تتخلى شيئا فشيئا عن الاعتماد الكبير على البنزين لتتجه الى ما أسماه ال«بيوغاز». وبعيدا عن هذه الحلول التي تبقى بعيدة التطبيق في بلادنا على المدى القريب، على الأقل يبقى مشكل ارتفاع أسعار المحروقات من أهم المشاكل التي لا تنهك جيب المواطن فحسب، وانما اقتصاد البلاد عموما، وهو ما يتطلب منا البحث عن حلول قابلة للتطبيق.