لماذا وافق وزراء خارجية الدول العربية على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل تجمعها بالطرف الفلسطيني؟ تحتاج الاجابة عن هذا السؤال العودة الى الوراء قليلا حين أصر الطرف الفلسطيني ممثلا في سلطته الوطنية وبعد صعود باراك أوباما للحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبنيامين ناتنياهو في اسرائيل، على تجميد المفاوضات مع اسرائيل وعدم العودة اليها إلا بشروط كان أهمها وأولها وقف الاستيطان، الكل يعلم مآلات هذا الشرط الذي تناغمت معه الادارة الامريكية في الأول ثم تراجعت عنه. والكل يتذكّر ذلك النقاش البيزنطي حول النمو الطبيعي للمستوطنات، وحول مؤسساتها التعليمية والصحية وغيرها. وذلك الالتواء الاسرائيلي على الشروط والمصطلحات الذي انتهى بعدم العودة الى المفاوضات وهو ما تريده اسرائيل. فحالة الجمود لا تعنيها البتة ولا تقلقها. لكن الطرف الفلسطيني ومن ورائه عدة أطراف عربية أخرى رأت في هذا المآل مأزقا قيد اليه الطرفان وسجنا جمّد الحركة الفلسطينية العربية ولم يقيّد حركة اسرائيل في شيء. والمشكلة الآن أن الموافقة على اجراء المفاوضات والملطّف بصفة غير المباشرة اي الاجراء وإن كان يظن أنه الدواء الممكن الوحيد للمأزق فإنه ايضا يعدّ في الاصل وفي الشكل تنازلا جديدا لإسرائيل واعترافا لها بأن لا بديل عن الحديث معها. وهذا معناه أيضا ان الشروط الأولى ومنها وقف الاستيطان وهي شروط عربية لم تكن فقط غير مجدية بل وأيضا غير ممكنة التحقق. لذلك يسخر الواحد منّا عندما يقرأ أن العرب منحوا اسرائيل فرصة أخيرة للتفاوض. فالحقيقة أن اسرائيل هي المتمكّنة من شروط التفاوض ومن فرصه وليس العكس. فالتنازل جاء من الطرف العربي وهو وهنا المفارقة الكبرى، تنازل عن شرطه الذي لوّح به. فلماذا يشترطون ومن أول ما بدأت «الحكاية» شروطا يعلمون مسبقا أنهم سوف يتنازلون عنها كرها أو عن طيب خاطر؟ وجواب السؤال : وما الغرابة في ذلك؟ فتلك هي عاداتنا!