«الأدب يجعل من المعرفة احتفالا» رولان بارت ظهرت كلمة: «Théoria» عند الإغريق الأوائل بمعنى: «مراقبة السباقات حسب قوانين المدن». فطرح منذ البدايات انطلاقا من مقولة «المراقبة» إشكال التوتر والتجاذب بين التعميم والتخصيص. التعميم بما هو تقعيد ينزع نحو الكونية والإطلاق، والتخصيص كحكم ينزل القانون في الممارسة العينية. أما حديثا، ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين فقد اجتمعت الخطابات حول النظرية الأدبية على ضرورة صياغتها وبنائها. بينما افترقت في الأسئلة المتعلقة بماهيتها ومضمونها، فهل النظرية فلسفة تأملية؟ أم علما؟ أم إيديولوجيا؟ ففي صورة ما إذا كانت النظرية منهجا لتأويل النصوص الأدبية فما هي أدواته ومراحله ونتائجه؟ وإذا ما كان كل تأويل يفضي إلى معنى، فما مشروعية معنى على آخر؟ وما مصداقية قيمة دون أخرى؟ وفي حالة ما إذا كانت النظرية علما فما هي فرضياته؟ وما موضوعه؟ وأي خصوصية للموضوع الأدبي تجعله يطلب نظرا خاصا يختلف عن غيره من المواضيع الفيزيائية والتاريخية والاجتماعية والنفسانية؟ أما إذا كانت النظرية الأدبية ايديولوجيا وهو أمر لا يستبعده البعض فما السائد الذي تريد تبريره في الأدب وبه؟ ومن الطرف الذي يوظفها لغاياته؟ وما هي آليات اشتغالها وسبل الكشف عنها؟ بعد السيادة الطويلة الأمد للتصور الأرسطي ذو النزعة التأملية المعيارية، التي قامت على ضبط قوالب محددة للقول الأدبي وأخضعت «صنائعه» لمقولات: الجنس والمعيار والمشاكلة. مقدمة جوهرانية المعنى بما هو حقيقة على محاولات محاكاته وتمثيله: mimésis /semiosis وبعد أن تساءل ج.ب سارتر حول ماهية الأدب بمفاهيم الوعي والالتزام والفعل، الوجودية، جاءت النظرية المعاصرة بعكس ذلك كله أي بتعويض النظر إلى الخطاب الأدبي من خارجه، سواء عن الانطلاق من القيم العليا أو من المفاهيم الوضعية. بالنظر فيه من داخله ومعالجة اللغة باللغة، بالميتا لغة. ولذلك تكون النظرية من حيث هي اختصاص مكتمل، منفصلة عن الاعتبارات الأخرى غير الألسنية، ويقول ميلر في الغرض: «إنني أعني بالنظرية إزاحة تركيز النظر في الدراسة الأدبية عن معنى النصوص. وتركيزه على الطريقة التي ينقل بها المعنى.. وهي استخدام اللغة للحديث عن اللغة «فالنظرية هي لغة النظام في علاقتها باللغة الأداء النصوص الأدبية كولر أما ربط اللغة النظام بما هو خارجها: بالذات والمجتمع والتاريخ فهو ضرب من الايديولوجيا وخلط للوظيفة الاحالية في اللغة بالظاهرة الطبيعية، أي بالمرجع العيني بول ديمان كما واجهت النظرية موقف اعتبار المعنى سابقا للخطاب. واعتبرته راسبا ميتافيزيقيا، مشددة على أن اللغة هي التي تنتج المعاني والقيم. وما وظيفة النظرية سوى الكشف عن آليات وصيغ انتاجها دون الوقوف على فحوى القيم والمعاني في ذاتها. فموضوع النظرية إذن، هو شعرية الخطاب الأدبي تودوروف فيما يتميز به عن الخطابات المرجعية الأخرى العلمية والاجتماعية والتاريخية والأخلاقية.. ويرى رولان بارت في مؤلفه «نقد وحقيقة» ان مهمة «علم الأدب» ليست في منح أو ايجاد أية معنى بل هي وصف الكيفية التي بها تتولد المعاني بالطريقة التي تكون بها مقبولة لدى منطق البشر الرمزي. فالنظرية الأدبية خلاصة ليست منهجا تفسيريا يكشف عن المعاني الحقيقية والنهائية للخطاب الأدبي ولا هي مذهبا نقديا بما أن النقد لا يعدو وأن يكون سوى منزلة وسطى بين النظرية والقراءة وإذا كنا قد انطلقنا من أن النظرية تهتم بكيفيات انتاج لغة النصوص الأدبية، الأسطورية، الرمزية. من خلال ما تدخله على اللغة النظامية المألوفة من تحويلات عن طريق استخدام، المجاز والحذف والاختزال، وعبر جعلها للمتضارب والمتنافر اللغوي تركيبا منسجما جاكوبسون فإن النقد سيكون تأويلا من شأنه أن يغني لغة الخطاب اللغوي بالإضافة إلى رمزيته حسب مسار مبرر ومتجانس، يناور بالابتعاد والاقتراب. يسائل لغة النص عبر التهكم بارت فيساهم في انفتاحها وإثرائها عوضا عن تقليصها بإرجاعها الواقع أو النموذج وبمحاولة وقفها على معنى نهائي. وليست النظرية ايديولوجيا على اعتبار أن الايديولوجيا هي ذلك الخلط بين الرمزي والمرجعي. وإن كان من طبيعة الايديولوجي أن لا يكف عن اختراق الأطروحات العلمية والتأويلات النقدية. ولهذا السبب أصبح منظرو الأدب يسعون عن وعي للتقليص من حيز الايديولوجيا في خطاباتهم ويعلنون صراحة عن تحيزاتهم عوضا عن ادعاء الأحقية المطلقة أو الاطمئنان إلى ذريعة صدق النوايا وسذاجة دعاوى الحياد والموضوعية.