بالتأكيد، حكومة إسرائيل مصرّة على ردّ التحية للعرب ومكافأتهم على الضوء الأخضر الذي منحوه للسلطة الفلسطينية للانخراط في مفاوضات غير مباشرة ببناء أكثر من 100 وحدة استيطانية في الضفة الغربية. وفي الأصل، فإن الاستيطان كان العنوان الأول والرئيسي للأزمة التي أثارها الطرف الفلسطيني وأدت الى تعطيل المفاوضات.. عندما أثار عبثية مفاوضات تهدف الى تحرير الأرض مع استمرار استيطان يقضم هذه الأرض ويهوّدها... وهو ما من شأنه ان يفرغ العملية السلمية برمّتها من أية مضامين... وحين تعلن تل أبيب تماديها في بناء المزيد من المستوطنات وحبر القرار العربي لم يجف بعد، فإنها ترسل باتجاههم رسالة مضمونة الوصول مفادها ان الضغوط الأمريكية كفيلة بإعادتهم الى التفاوض بعد ان أعلنت واشنطن ان الاستيطان ليس عائقا للمفاوضات... وأنه بالامكان العودة الى طاولة التفاوض مع استمرار البناء في المستوطنات... وأن عودة التفاوض ماهي في نهاية المطاف إلا محطة لتلقّي الاملاءات الاسرائيلية وهي تحوم حول التمسك بالأرض وابقائها تحت الاحتلال مع ابرام سلام هو الى الاستسلام أقرب يضمن لتل أبيب المرور الى مراحل أخرى وفي طليعتها تطبيع العلاقات مع العرب.. إن هذا الموقف الاسرائيلي لم يفاجئ أحدا... ولا يجب ان يفاجئ أحدا... لأنه يندرج بالكامل في سياق السياسات الاسرائيلية التي تعتمد المخاتلة والمراوغة مرحليا لتحقيق الأهداف الكبرى.. حملته في تهويد القدس وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة والاحتفاظ بها في اي اتفاق نهائي مع ضمان عدم عودة اللاجئين... ولو ركبنا مكوّنات المشهد الاستيطاني لوجدنا أنها تجسّد الرؤية الاسرائيلية لشيء عجيب تسميه «سلاما» ويضمن لها أرض العرب والسلام معهم.. هل هذا موقف اعتباطي أم مزاجي؟ بالتأكيد لا... لأن اسرائيل تعرف ان الطرف العربي لا يملك رؤية ولا تصوّرا.. وحتى وإن بدا العكس فإنهم لا يملكون أدوات تحقيق هذه الرؤى والتصوّرات والدفاع عنها... لذلك تمضي بهم من تنازل الى تنازل... الى أن يكتمل المشهد وتستوي طبخة «السلام» او الاملاءات الصهيونية..