في البداية.. عندما اغتصبت عصابة أرض فلسطين كانت الأمور أوضح وكانت القضية بيّنة، هناك احتلال واغتصاب، هناك محتل وهناك مقاومة.. ومع الأيام والسنوات العجاف تشعّبت القضية وتفرعت واختلطت الألوان بين الحق والباطل.. وكلما زاد العدوان شراسة وتوسّع جغرافيا كلما فقدنا ذاك الوضوح، حتى أن القضية الأمّ لم تعد اليوم تنحصر في الاحتلال وانما في كيف نقسّم المقسّم ونجزّئ المجزّأ... وكيف تمكّن عرفات المحاصر من أن يتحول من مكتبه الى غرفة الحمام دون أن تصيبه رصاصة قناص وكيف يمكن أن نضمن ترخيصا لفلان حتى يتحول من غزّة الى الضفّة لحضور اجتماع.. وصرنا نرى عرفات يخطب في الناس من وراء أكياس رملية فنعتبر ذلك فتحا.. ثم ننام. إنها النتيجة الحتمية للضياع العربي والفيتو الأمريكي... والآن واسرائيل تلطم باليسرى سوريا وتذبح الفلسطينيين باليمنى تزيد القضية في الانحدار والذوبان، وهذا الفيتو الأمريكي في مجلس الامن حول «بناء الجدار» يحيل القضية الفلسطينية قضية الاحتلال والدمار والعنصرية الى مصلحة التراتيب في بلدية الأممالمتحدة... لتقول بشجاعة إن «الجدار» بناء فوضوي ويخالف مثال التهيئة... والحال أن اسرائيل كلها كيان فوضوي قام على أرض الغير... بالحوز والتصرف على الشياع... لبلدية الأممالمتحدة أجر ولكن ليست لديها شرطة بلدية لتقوم بإيقاف «المرمّة» وحجز المعدات... وليست لديها القدرة على الاعتذار لأطفال فلسطين على تقطيع أوصالهم وأوصال وطنهم.. لذلك فإنه ما دام الاحتلال باق والجدار متمددا فلماذالا نكون «واقعيين» ونغيض الاسرائيليين فنحول الحائط الى مزار سياحي نطلق عليه اسم «حائط المبكى العربي» مع اضافة عبارة «يُرجى رمي الكلينكس» في سلّة القرارات العربية...