من طرائف القصص الغريبة التي وقعت احداثها في عهد الخليفة العباسي المأمون ما كان من أمر ابراهيم بن المهدي الذي ادعى لنفسه الخلافة بالري وبقي حاكما لها لمدة سنتين، وجاء الخليفة المأمون الى الري يطلبه وجعل لمن يدل عليه ويأتي به اليه مكافأة بمائة ألف درهم، ولما بلغ الخبر ابراهيم بن المهدي خاف على نفسه واحتار في أمره فخرج من منزله وقت الظهيرة هائما على وجهه فساقه قدره الى زقاق رأى فيه عبدا أسود واقفا على باب داره فطلب منه الدخول فأذن له ورحب به وأكرمه وأحسن ضيافته، ثم ان ذلك العبد الأسود أخرج عودا وقال لإبراهيم: ان رأيت أن تشرف عبدك بأن تغني لنفسك والعبد يسمع فافعل لأني أعرف أنك ابراهيم بن المهدي المغني المشهور وأنت خليفتنا بالأمس وقد جعل المأمون مائة ألف درهم لمن يدله عليك ولكنك الآن عندي في أمن وسلام، وهنا اطمأن قلب ابراهيم وكبرت مروءة الرجل عنده وتذكر أهله وأولاده فأخذ العود وغنى: وعسى الذي أهدى ليوسف أهله وأعزه في السجن وهو غريب أن يستجيب لنا فيجمع شملنا فالله رب العالمين قريب فقال العبد الأسود: بالله يا سيدي اجعل ما تغنيه مما أقتضيك به فقال ابراهيم نعم فقال العبد: غن لي: ان الذي انعقدت به عقد المكارم فهو يملك حلها فاصبر فان الله يعقب راحة فلعلها أن تنجلي فلعلها [فغنّى] فشعت أنوار الأمل والفرح في قلب ابراهيم، ثم قال له صاحبه غن لي: اذا الحادثات بلغن النُّهى وكادت لهنَّ تذوب المُهَجْ وحل البلاء وقل العزاء فعند التناهي يكون الفرج [فغنَّى] وازداد ابراهيم اُنْسًا بصاحبه واستظرفه وأعجب بمقترحاته في الشعر والغناء ثم تفاجأ وهو يستأذنه في الغناء له بما خطر بباله فأذن له، فأخذ العود وضرب عليه ضرب العارف الحاذق وجعل يتغنى بهذه الأبيات: شكونا الى أحبابنا طول ليلنا فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا وذاك لأن النوم يغشى عيونهم سريعا ولا يغشى لنا النوم أعينا اذا مادنا الليل المضر بذي الهوى جزعنا وهم يستبشرون اذا دنا فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا فقال ابراهيم: والله لقد ذهب عني كل ما كان عندي من الفزع واستزدته في الغناء فانطلق يشدو بغناء هزني طربا: تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها: ان الكرام قليل وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل وانا لقوم لا نرى الموت سبة اذا ما رأته عامر وسلول يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول. (البقية في الحلقة المقبلة ان شاء الله)