حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي شريط من الصور، كان يمرّ أمام السجين في زنزانته، فيه الطفولة والشباب وكل مراحل حياته.. شريط من الواقع الذي عاشه، مليئة أحداثه بالامتحانات والمواعظ والمواقف، لعلّ أهمها تلك التي طبعت في ذاكرة صاحب هذه المذكرات، حول «الوجود» و«الخلق» والوالد والشقيق ومواقف الشيخ والأستاذ من ردّ فعل صبيّ، ولج مبكّرا عالم «الوجود» و«الخلق».. بعد القصة التي رواها أمس، يواصل «سي أحمد»، استعراض بقية التفاصيل التي عاشها، بأن لازمها ولازمته، وقدّت في جزء كبير منها شخصيته.. «لقد تأثرت أيّما تأثر بموقف والدي، عندما حاول معي محاولات متعددة ليمرّر إليّ تعاليم دينية على الطريقة التي تلقّاها بها هو، ولكن لمّا عرف أن محاولته بلا جدوى، أمام أسئلتي المتواصلة، وردودي التي اعتبرها البعض كفرا، بأن قال لي الوالد: «دبّر راسك» يعني افعل ما شئت تقريبا.. كنت وأنا أراجع هذه المحطات، في السجن، استرجعت أيضا كيف طلب منّي والدي بأن أكتفي بالشهادة التي نلتها من الصادقية، وأنني لست بحاجة الى الباكالوريا، لأنه كان يعتقد أن دخولي التدريس في الابتدائي ك«معلّم» يكفي.. وقد ذكرت لك، ما حدث معي عندما كنت أحضّر الدخول في امتحانات الباكالوريا، وكيف أن الحادث الذي جرى لي مع جلّولي فارس، وكان قيّما، قد أثّر فيّ بقوة.. المهمّ، أنني تقدّمت مرّتين لامتحان الباكالوريا فلم أفلح.. ولكني كنت مصرّا على متابعة تعليمي في فرنسا، مثلي مثل أترابي الذين حصلوا على الشهادة هنا في تونس.. وبالفعل سجلت بالشهادة التي حصلت عليها من الصادقية، وأجريت امتحان الباكالوريا بفرنسا، في وقت قياسي وتحصّلت على الجزء الأول والجزء الثاني من الباكالوريا.. وكان عمري إذّاك أقل من 20 سنة، وقد كتبت رسالة الى والدي، بعد أن حصلت على الباكالوريا ب(فرنسا) وقلت له فيها جملة مهمة: «والدي العزيز.. ها إن عقلي لم يقف..». وهنا سألت «سي أحمد» عن مقصده، فقال إن في الأمر قصّة «فبعد أن فشلت في الحصول على الباكالوريا، جاءني والدي يوما وقال لي: «أنت يظهر فيك يا أحمد يا ولدي، عقلك وقف.. الآن عندك بين يديك شهادة معلّم والحمد للّه..» فقلت له: أبدا.. أريد أن أدخل امتحان الباكالوريا وسوف أذهب الى باريس.. وكان أن حصلت على شهادة الباكالوريا كما ذكرت، وخرجت من ذاك الشعور ب«النقمة» ربما على جلّولي فارس» ذلك أن «سي أحمد» تعرّض الى حادثة رواها لنا في الحلقات الأولى، حيث أخطأ في حقّه ظنّا سي جلولي فارس، وكان «سي أحمد» في الأقسام النهائية بالصادقية، فصفعه، ولم يقبل صاحب المذكّرات الشاب أحمد بن صالح ما أسماه الخطأ والصّفعة.. وهنا أضاف «سي أحمد»: «تملّكني شعور بعد أن كتبت تلك الرسالة الى أبي، أعلمه بأن عقلي لم يتوقّف، بأنه قد يكون غضب منّي، وما إن وطئت قدماي منزلنا، بعد عودتي مع جثمان المنصف باي رحمه اللّه، أول أمر فعلته، هو أن حيّيت والدي وسلّمت عليه وقلت له سائلا: «بربّي كيف تسلّمت رسالتي؟» فقال بكل أريحية: «لا.. لا بالعكس..» كان والدي رحمه اللّه لا يتكلّم كثيرا ، ولكن ما قاله لي وقتها أنه انسان معتزّ بابنه كانت هذه القصص من أجل أن أعمّر الفراغ الذي خيّم عليّ وأنا في السّجن».. وقبل أن نواصل رحلة «سي أحمد» من الجزائر الى النمسا فالسويد، فترة المنفى، سألته عن «السّيغار» وكيف كان يصله الى السجن.. فإذا كان مفهوما، أن يصله الأكل يوميا، من منزله، لأنه رفض رفضا تاما، حدّ إعلان «الاضراب» عن الطعام، لأي أكل يُقدّم له في السجن، ما عساه فعل مع السّيغار، وهو الذي لا يفارقه الى يوم الناس هذا؟ ثم يروي لنا صاحب المذكّرات، قصصا أخرى عن «حرية» متاحة له، في السجن، بحيث غادر السجن مرّتين، ولم يتفطّن الى ذلك، أيّا كان.. فإلى أحداث جديدة، يكشفها صاحب المذكّرات لأول مرّة، فيها من المغامرة و«الهزل» أحيانا، ما يجعلها ملفتة.. فإلى حلقة الغد، إن شاء اللّه..