تحدث الصحفي عبد الرؤوف المقدمي في مقالين أحدهما تحت عنوان «النوم في العسل والكسل»، عن العوائق وحالات الانسداد التي تعيق فعل الابتكار والابداع وتصريفه من لدن الطاقات والكفاءات لمغالبة الصعاب ومواجهة التحدّيات.. وضرورة الاحتكام إلى العقول النيّرة وسواعد الجدّ والخلق للنهوض بالمؤسسة الوطنية في جميع المجالات بداية من التعليم والثقافة مع التنحي عن مقالب الريبة والشكوك والظنون.. والإلتواء على الأشياء وافراغها من محتواها، لأن المستقبل أمامنا وليس وراءنا.. وهذا لعمري فيه فيض من نبل المقاصد وتبصّر في التحليل... فالشعوب الواعية حين تضرب في شعاب التقدم بقدم راسخة لا بدّ لها من التسلح بنور العقل وأحكامه النقدية حتى تمسك باقتدار ودون ترنّح بتلابيب عصر النهضة وخطاب التنوير في فكره وثقافته.. أين يسكن الرائع من العلوم والفنون والأدب. فالحداثة ليست رغوة حديث مهذار.. بل هي طليعة التطلّع بذهن مدني وقّاد وتصوّر علمي قويم لانجاز الكثير من الأعمال بقليل من المال والكلام وتلك ثوابت الخلق والخلق وذاك سبيلنا لطيّ المسافات وتجنّب المطبّات حتى نخرج من الزقاقيات إلى أعالي البحار مثل الدول المتقدمة. من أجل ذلك وجب توظيف سديد للكفاءات والطاقات بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب والتكاتف من أجل امتصاص بطالة أصحاب الشهائد العليا طبق الأمر الرئاسي الأخير ووجوبيّة دعوة أصحاب المال والأعمال لدعم هذا الحراك الوطني، مع العمل على إحالة من تخلف في سنّ التقاعد باسم التمديد إلى التقاعد وتطبيق قانون عدم الجمع بين وظيفتين ودخلين في القطاع العام والخاص حتى لا يجتمع في شخص واحد صفة العرف والأجير.. ومنهم من ربط مستقبل التلميذ إلى وتد دروسه الخصوصية وآخر أهمل دروسه في التربية الفنية في المعاهد الثانوية وراح يلهث وراء الدعم على الانتاج والعرض باسم شركته التجارية الفنية المسرحية فنال عشرات الآلاف من الدنانير من الأموال العمومية وتعدّد هذا السخاء مع غيره... لذلك أصيب التعليم والتثقيف التربوي في مقتل وحلّ محلّه العنف المدرسي كرجع صدى لما تبثه الاذاعات والفضائيات التلفزية من تعنيف وتهجم ولفظ وشرح داعر، جعل من الجنس أداة للتنشيط التافه.. ورغبة منا في الاصلاح نعتقد بأن الزمن المدرسي سيعود الى وضعه الطبيعي لو أقمنا الحدّ العادل بين أطرافه: الادارة وقلّة أعوان التأطير.. والأستاذ ودروس المتابعة أو الخصوصية.. والتلميذ في بيئته ومحيطه.. والأسرة وحقيقة أوضاعها الاجتماعية.. وبرنامج التعليم وكثافة مضمونه والفوارق المجحفة بين ضوارب مواده ممّا جعل طلب النجاح حسبة محسوبة لدى التلميذ وأهله وهذا الأسلوب نتج عنه فقر في الزاد المعرفي/الثقافي عند الشباب وظهور أمية المتعلمين وأصبح خريج المعاهد العليا يؤخذ كصاحب حرفة «صنعة»، لا كرجل فكر متجذّر له ثقافة متينة.. وهذا الحال مرّت به بعض الدول المتقدمة، فشعرت بنواقصة في حينه فصوّبته وعدّلته بصهر منهجية التنشيط الثقافي الابداعي في صلب العملية التعليمية التربوية وصاغت منها مفهوما بيداغوجيا حديثا يحرك سواكن التلميذ ويدفع به الى المشاركة والتعبير عن ذاته من خلال موضوع الدرس، مع خلق مساحة حرة لتلقين الابداع مثل المسرح والموسيقى والرسم والسينما والأدب وغيره، فيباشر التلميذ بإعانة من المنشط الأستاذ عملية الانتاج الابداعي ومناقشته والاضافة فيه وتطويره وتلوينه طبق عمقه النفسي الاجتماعي... وبروح الخلق والتحديث تستطيع المؤسسة التعليمية مواكبة عصر التحوّلات العلمية المبهرة، لذا فإن فتح المؤسسات أمام الكفاءات من أرباب التجارب الثرية الطويلة كان يجنب المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة الحادث الذي تم في اختتام الأيام الدراسية والتطبيقية للمسرح والفنون المرئية حين أوهم طالب طموح الحاضرين بشنق نفسه أثناء تقديمه لموقف مسرحي فعمّ الصراخ والبكاء بين رفاقه ثم انقلب الى فرح وحبور حين تيقن جمعهم بأن الحبل وعملية الشنق خدعة ولمّا سأله مراسل صحيفة «الشروق» رضوان شبيل عن الغاية من وراء تقديم هذا الموقف التمثيلي المفجع.. أجاب: «لقد وضعت هذا الموقف المسرحي تحت عنوان: «انتحار فنان» للفت النظر لواقعنا بهذا المعهد، إذ ينقصنا التأطير من طرف الأساتذة، فقد حُشرنا في زاوية تجعل منا شهائد دون حرفيّة»، كيف يحدث ذلك والكفاءات المسرحية موجودة... إنه لأمر غريب؟