الدكتور سمير غريب عرف في العالم العربي قبل سنوات كناقد في الفن التشكيلي والفنون الرفيعة كما يسميّها قبل أن يعيّن رئيسا لجهاز التنسيق الحضاري في مصر الذي أوكلت إليه مهمّة المحافظة على المعمار في مصر. في مكتبه في قلعة محمد علي التي بناها صلاح الدّين الأيوبي التقته «الشروق» في هذا الحوار. متى بدأ هذا المشروع وما هي أهدافه؟ هذا المشروع بدأ سنة 2004 يعني كانت البداية متأخّرة جدّا وهدفه هو إنقاذ العمران المصري من التّدّهور والتّشوّه وتحقيق القيم الجمالية في هذا المجال العمراني وهذه مهمّة كبيرة وثقيلة جدّا لأنّ العمران في مصر تدهور تدهورا كبيرا في الخمسين عاما الأخيرة في مصر نتيجة لعوامل مختلفة، عوامل إقتصادية وثقافية إجتماعية وسياسية أيضا وفي النهاية هناك تدهور غير مسبوق وأنا شخصيا كتبت في هذا التّدهور مقالات أنا أساسا صحفي كما تعلم وكاتب في الأخبار من بداية عملي في الصحافة سنة 1975 فأنا خبير بالتّدهور العمراني الذي حصل في مصر،الدولة أدركت متأخرّا أهمية التصدّي لهذا التدهور فأنشأت الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. بدأنا أوّلا بشكل علمي بدراسة واقع وأسس ومعايير التنسيق الحضاري في جميع مجالات العمران المصري فمن خلال لجان علمية فيها خبراء ومتخصّصون وأساتذة جامعات وعلماء في مجال العمران والمعمار وضعنا 14 دليلا لأسس التنسيق الحضاري وكل دليل في مجال من مجالات العمران مثلا مداخل المدن أو المناطق الشاطئية أو المناطق الريفية أو المساحات الخضراء أو الطرق والأرصفة أو الإعلانات والإضاءة... كل هذه المراجع وضعنا لها عن طريق العلماء وبالإستعانة بخبرات أوروبية أسس ومعايير هذه كانت الخطوة الأولى لابد من تثبيت المرجعية النظرية للعمل أوّلا. الخطوة الثانية كانت بإصدار قانون ملزم للدولة وللمواطن بتطبيق الأسس والمعايير التي تمّ ضبطها لأنّك حين تضع أسسا ومعايير لا تطبّق تكون لم تفعل شيئا ففعلا خضنا معركة طويلة لإصدار قانون للتنسيق الحضاري وفعلا صدر القانون سنة 2008يعني بعد أربع سنوات بعد تأسيس الجهاز وبدأنا رويدا رويدا في تطبيقه. الأمر الثالث والمهم هو تدريب المسؤولين في المدن والأحياء والقرى على تطبيق القانون لكي يعرفوا ما هي الأسس والمعايير قبل غيرهم، المسؤول التنفيذي يجب أن يعلم قبل غيره ما هي أسس التنسيق الحضاري وكيف يطبّقها على النّاس وعلى الأخرين وبدأنا في سلسلة من الورشات التدريبية لجميع المسؤولين عن العمران في مصر في جميع أنحاء مصر، الباب الرابع هو تنفيذ مشاريع عملية نموذجية لتقديم النموذج للنّاس لتطبيق القانون ففي كل عام نقوم بمشاريع في عدد من مدن مصر ولنا مشروع في ميدان طلعت حرب وشارع رمسيس وسط القاهرة وأيضا في دمنهور ومدينة رشيد ودمياط ورأس البروالأقصر وكل عام نختار مدينتين أو ثلاث لتنفيذ مشاريع نموذجية لتقديم نموذج عملي على التنسيق الحضاري. هذه رحلة طويلة لأنّ إعادة البناء تحتاج الى وقت في حين التخريب والهدم سهل. تمويل المشروع هل هو مصري فقط؟ حتّى الأن نحن ننفق من ميزانية الدولة إنّما لكي نتوسّع في المشاريع نحتاج الى تمويلات أخرى لأن ميزانية الدولة لن تكفينا لتغطية كل المشاريع التي ننوي تنفيذها ولكن ما قمنا به حتّى الأن يتناسب مع المرحلة الأولى من عمر الجهاز وهي المرحلة التأسيسية وفي المستقبل سنحتاج الى تمويل أكبر وبالتالي من الوارد جدّا أن نتعاون مع مصادر تمويل خاصة من مصر ومصادر تمويل عربية وأجنبية. ما هي خصوصيات الوضع المعماري في القاهرة القديمة؟ الوضع المعماري في القاهرة القديمة الأن أفضل حالا ممّا كان عليه منذ عصور، طبعا الوضع المعماري قبل خمسين عاما كان أفضل لكن مقارنة بالعشر سنوات الأخيرة فإنّ الوضع الأن أفضل لأنّ الجهاز الحضاري أنجز مشاريع وكذلك المجلس الأعلى للأثار بجميع أنواعها وأنت تعرف أن مصر بلد فيها مستويات من الأثار والقاهرة القديمة معظمها أثار إسلامية وقبطية، المجلس الأعلى للأثار أنفق ملايين الجنيهات لترميم الأثار الإسلامية والقبطية في القاهرة القديمة وما يزال وهناك مشروع في شارع المعز لدين اللّه الفاطمي من أهمّ المشاريع التي تنجز الأن. الملاحظ في المدن العربية بما فيها العواصم كمّ مخجل من الأوساخ ومن إهمال للمعمار والأثار ألا ترى أن هذه الحالة كانت تراجع المشروع التحديثي؟ النظافة والجمال هي قيم دائمة مرتبطة بنمو الحضارات وإزدهارها وأي كانت هذه الحضارة قديمة أو حديثة. لكن الذي حصل أن العالم العربي عاش في القرن العشرين تدهور حضاري عام بغضّ النّظر عن مشروع الحداثة حصل تدهور قيمي في القيم والتعليم وعناصر الحضارة وهذا أدّى الى مشاكل عديدة سياسية وإجتماعية منها ما نشاهده من عدم اهتمام بنظافة العمران. إلتقاه في القاهرة نور الدين بالطيب