يحتفل التونسيون غدا بالذكرى الرابعة والخمسين لعيد الإستقلال والتحرّر من ربقة الإستعمار البغيض الذي جثم على صدورنا أكثر من سبعة عقود من الزمن يتحكم في رقابنا وينهب خيراتنا ومقدراتنا , ومن حقنا أن نحتفل بهذا العيد بنخوة واعتزاز بعد أن أصبحنا أحرارا نملك إرادتنا بأيدينا وبعد تضحيات جسام. ومن واجبنا أن نحبّ هذا الوطن ونذود عنه بكل ما نملك من وسائل لأن الوطن كلمة تربينا على سماعها وترديدها منذ نعومة أظفارنا و منذ أن كنّا أطفالا صغارا نرتاد المدارس الإبتدائية نتغنى بالأناشيد الوطنية في نخوة واعتزاز وفي حماس كبير. علمونا أنّ حبّ الوطن من الإيمان, ولاشك أن حبه من الأمور الفطرية التي جبل الإنسان عليها ، فليس غريبا أبدا أن يحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه ، وشبّ على ثراه ، وترعرع بين جنباته . كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يغادره إلى مكانٍ آخر ، فما ذلك إلا دليل على قوة الارتباط وصدق الانتماء, فحبّ الوطن من أشرف الغايات التي حثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف، فهو ليس حبّا منتهيا بل هو حب ملتصق بأذهاننا ومؤبد في قلوبنا وممتزج في دمائنا، وهو أيضا خفاق ومرفرف على خلجات صدورنا، فمن منا لا يحبّ وطنه حبا حتى الثمالة!؟ الوطن هو العش الذي ترعرع وتربى ونما فيه الإنسان واستنشق هواه وصال وجال بكل فخر واعتزاز وحرية في أرضه الطيبة.وهاهو النبي الكريم يضرب لنا المثل في حبّ الأوطان عندما عبّر عن أحاسيسه وهو يغادر مكةالمكرمة مودعا لها وهي موطنه الذي أخرج منه عنوة قائلا : (ما أطيبك من بلد، وأحبَّك إليّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك) رواه الترمذي. فحبّ الوطن حقيقة هو من الإيمان ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشرية يحبّ وطنه لما قال هذا القول.. وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات ، لاسيما أنها مسخرة له بكل ما فيها من خيرات ونعم ؛ فإن حب الإنسان لوطنه ، وحرصه على المحافظة عليه والإنتفاع بخيراته إنما هو تحقيق لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى :{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: 61). ولا يكون هذا الحبّ إلآ بالإعتراف لهذا الوطن من أفضال على الإنسان منذ ميلاده إلى مماته ومن ثم ردّ الجميل له والحرص على تربية الناشئة بالخصوص على ذلك، ومجازاة الإحسان بالإحسان لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله سبحانه و تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} (الرحمن 60) . ومقابلة الإحسان بالإحسان لا تكون إلآ بالدفاع والذود عن الوطن إذا تعرّض إلى مكروه , وبالمحافظة على خيراته ومرافقه ومكتسباته التي من حق الجميع أن ينعم بها , وبالإسهام الفاعل والإيجابي كلّ من موقعه في خدمته ورقيه ورفعته ومناعته لأن ذلك واجب الجميع.