قد لا نغالي عندما نقول إن تونس اختزلت أهم وأقدم الحضارات حتى ما قبل التاريخ ولعل أكبر الأدلة وجود الحفريات التي تثبت مدى صحة القول والافتخار بهذا البلد صاحب التاريخ التليد، فلقد عرفت تونس حضارة هامة إبان العصر الحجري الحديث ألا وهي الحضارة القبصيّة.. وقد عرفت البلاد التونسية حضارة مزدهرة بجهة قفصة التي اشتقت من كلمة «قبصة» وهي حضارة ظهرت منذ ما يقارب 1000 سنة مضت.. فالسكان الذين عاشوا في تلك الفترة بالجنوب التونسي حياة رفاهية وتمكنوا من استغلال الأراضي واستطاعوا تربية المواشي، إذ يذكر التاريخ أن الانسان الأول في تونس يعتبر الأول في ترويض الحيوانات من غزلان وماعز وخرفان.. بمعنى أصح أن أول شعب في التاريخ رعى الأغنام ونظم حياته بعيدا عن الهامشية، وفي تلك الفترة ظهر نوع جديد من أسلحة الصيد وهي رؤوس السهام. كما ظهرت أوان من الفخار تحمل الزخارف وكذلك أحجار مصقولة وملساء تستعمل لطحن الحبوب مما يدل على تعاطي الزراعة.. وما يدل على تحضر القبصيين منذ آلاف السنين فقد كانوا يتزينّون بقلادات من خرزات مصنوعة من قشور البيض.. من جانب آخر، فإن سكان تلك الفترة كانوا على اتصال بالشعوب الأخرى. فقد تمّ اكتشاف قطع صغيرة من الصخور البركانية مستوردة من ايطاليا وهذا يثبت اتصال المجموعات البشرية المنتمية للعصر الحجري الحديث، وهذا ما يثبت تطويع البحر وامتلاكهم لمعدات تعاطي الملاحة في حوض البحر الأبيض المتوسط.. ومجمل القول أن تونس ونظرا لموقعها المتميز بخصوبة أراضيها واعتدال مناخها ومحاذاتها للبحر فقد كانت قبلة يطيب فيها العيش منذ آلاف السنين، فقد احتضنت تونس الحضارة القبصيّة وغيرها سنتناولها في أعدادنا اللاحقة.