في الوقت الذي تعيش فيه أمريكا البذخ الديمقراطي تشهد عديد الدول العربية فقرا في الحلول وجوعا في الأمن والحرية... العراق متعفّن والسودان مهدد بالبتر وحتى فلسطين او ما تبقى منها تعيش حالة تفسّخ خطير... عند العرب صار الشعور بالأمن لوحده نوعا من البذخ... بذخ يعفيك من التعطش الى مزيد من الحرية والمشاركة في القرار وحل أزمة المواصلات في كل الاتجاهات... صحيح ان الامان ثمين ولكن الخوف على الاولاد لا يعفي من الخوف على المستقبل... لان الاولاد هم المستقبل... دول عربية عديدة سدّت الثغرات والهنات بثروات تحت الارض... ولم تفعل شيئا فوق الارض... الثروات غطت العيوب... ثم جاء يوم لم يعد فيه الثراء يستر... دول اخرى أفاقت على أزيز الطائرات في سمائها واخرى قصفت بالتعليمات ووصفات طبية قاسية للشفاء من التخلف والأحادية... لم تشفع الصداقات والتحالفات القديمة... لم تشفع الصداقات الحميمة... لم يشفع النفط... لم تشفع الحداثة... لم تشفع الاتفاقيات التجارية التي تربط مصانعهم ببطوننا وعقولنا... لم تشفع لهم حتى الخدمات التي قدموها بالتآمر على اخوانهم وجيرانهم... ما أعرفه من علم الطبيعة ان الخرفان عندما يداهمها خطر الذئاب تلتحم ببعضها البعض... حتى هذا لم يفعله العرب، زادوا شرودا... زادوا هرولة وفي كل يوم يغازلون الذئاب برمي أبنائهم في السجن... انفرط عقدهم وذاب عهدهم حتى بيانات التنديد لم تعد تستهويهم... هم لا يلتقون أصلا... المخالب تنهشهم على امتداد الخارطة وهم لا يتحركون... كالضفدعة عندما يحدق فيها الثعبان... تتجمد... الى ان يلتهمها... في أمريكا التي تصنع تاريخا جديدا كل يوم تسيل ديمقراطية المليارات انهارا فتسكر الشركات وينتشي الشعب... القوي يقرر ما هو الحلال والحرام وهو الذي يقرر الحق والباطل وهو الذي يوزع شهادات حسن السيرة والسلوك... وكثيرا ما يصدم القوي البراغماتي عواطف الشرق الاوسط... هو لا يؤمن «بالماء والملح»... هو قادم من المستقبل والعرب قادمون من التاريخ فكيف سيلتقون؟ واذا كان خصمك القاضي فماذا ستفعل... حتى أوروبا العجوز الجميلة الراقية احتارت في أمرنا... أكثر من مرة وقفت الى جانبنا... ضد اسرائيل المعتدية رغم جبروتها وحتى ضد أمريكا ولكن العرب خذلوها ووضعوها في مطبات محرجة... ومع ذلك لم تيأس رغم أن العرب أنفسهم يئسوا من أنفسهم دون ان يخجلوا...