غريب ما يحدث في كرة القدم التونسية إذ رغم الهزات التي عرفتها مؤخرا بانسحاب المنتخب من المونديال ثم الظهور بوجه مخز في كأس إفريقيا للأمم بأنغولا والأداء المهتز لنوادينا في مختلف المسابقات الافريقية للأندية دون أن ننسى المستوى المتدهور لبطولتنا من حيث الأداء.. رغم كل ذلك فإن العبرة لم تحصل والسعي الحازم لاصلاح الوضع مازال بعيد المنال. هذا الكلام ليس اغراقا في التشاؤم وليس بسبب نظرة سوداوية لا ترى إلا النصف الفارغ من الكأس بل بسبب ما حدث مؤخرا من لخبطة على مستوى الخطوات الاصلاحية لواقع كرتنا ومستقبلها، هذه اللخبطة قد تفرغ هذا الاصلاح من معناه وتجعله يعطي عكس ما هو منتظر. تناقض صارخ منذ أيام قليلة طغت على سطح الأحداث في مشهدنا الكروي حكاية لجنة اصلاح كرة القدم التونسية التي ضمت وجوها مشهودا لها بالكفاءة وأطلقت وعودا كبيرة باستنباط أفكار اصلاحية رائدة ستقطع مع مختلف الهزات وتنقل كرتنا من حال إلى حال وقيل ان هذه اللجنة أمامها مهلة بأربعة أشهر لتقدم كل ما يلزم من حلول وتصورات لاصلاح مكامن الخلل ومختلف المشاكل وأن أشغالها ستنتهي مع موعد عقد الجلسة العامة للجامعة التونسية لكرة القدم ليجد المكتب الجديد أمامه الأرضية مهيأة للعمل الناجح.. لكن بالتوازي مع هذا الخط الاصلاحي تقرر أن تنعقد الجلسة العامة الخارقة للعادة للجامعة أو هي انعقدت بالفعل يوم الجمعة الفارط إذا ما اكتمل النصاب القانوني ومهمة هذه الجلسة العامة الخارقة للعادة هو تنقيح عدة قوانين مثار جدل كان قد انطلق العمل بها بعد الجلسة العامة الخارقة للعادة قبل أكثر من موسمين وتهم أساسا تنقيح قانون الترشح إلى المكتب الجامعي بادخال شروط جديدة تحد من فاعلية شرط (الباك + اثنين). أي دور للجنة الوليدة؟ عقد الجلسة العامة الخارقة للعادة في موعدها أي يوم الجمعة الفارط أو تأجيلها إلى يوم 9 أفريل القادم إن لم يكتمل النصاب هو إفراغ لعمل اللجنة التي أفرزتها الوزارة من أي قيمة أو مضمون إذ كان من الحري أن يمنح لهذه اللجنة مهمة تغيير ما تراه يستدعي التغيير من القوانين لأننا لا نظن أن مهمة هذه اللجنة ستكون فنية بالأساس أي تتعلق بتحسين الأداء لتحسين النتائج بل ستكون مهمتها بالأساس حسب ما أعلن ساعة تشكيلها هي تهيئة الأرضية للاصلاح الشامل والبدء طبعا سيكون بالقوانين المنظمة لكرتنا. مشاكل وهمية إن التركيز على قانون منع الترشح للمكتب الجامعي لمن ليس له شرط (الباك + اثنين) هو كلمة حق أريد بها باطل لأن مشكلة كرتنا ليست في هذا القانون الذي نراه ضروريا حتى لا يدخل جامعتنا إلا أصحاب المستويات العلمية المرموقة الذين سيقطعون مع الفوضى ويفكرون بعقلانية أو على الأقل بعقلية مستنيرة للنهوض بكرتنا لأن الفرق واضح وجلي بين «من يعلم ومن لا يعلم» لكن التركيز على هذا القانون كان من أجل قلة قليلة جدا لا يتوفر فيها شرط (الباك + اثنين) ولا نظن أن دخولها إلى المكتب الجامعي سيقضي على كل المشاكل لأن هذه القلة القليلة «جُربت ولم تنفع» سواء في المكاتب الجامعية السابقة أو في الرابطات. حملة انتخابية قبل وقتها !! من المسائل غير البريئة هو إعلان التكفل بإقامة ممثلي النوادي البعيدة جغرافيا عن العاصمة وقد سعى رئيس الرابطة المحترفة علي الحفصي إلى الاستماتة في الدفاع عن هذا المطلب وكأنه هو من سيتكفل بإقامة المعنيين بهذا الأمر في حين ان كل النفقات ستدفعها خزينة الجامعة ليظهر بشكل جلي أن رئيس الرابطة المحترفة قد استعمل هذا المطلب لأغراض انتخابية ساندته فيها بعض الأبواق الناطقة باسمه رغم ان الجلسات السابقة أو العديد منها على الأقل تكفلت خلالها الجامعة بتسديد نفقات ممثلي الأندية البعيدة عن العاصمة فلمَ إذن تضخيم اقتراح الحفصي وتصديره على أنه فتح مبين إن لم يكن لغايات انتخابية؟! كرتنا في حاجة لمن يفكر لا لمن يدفع !! الثابت ان كرة القدم التونسية الآن في حاجة ماسة إلى من يفكر لا إلى من يدفع لأن الدولة تكفلت أساسا بهذا الأمر ووفرت كل ما يلزم من أموال للنهوض بكرتنا ولا ينكر هذا إلا جاحد فالتمويل والاعانة والدعم وفي كل المناسبات قامت به الدولة على أحسن وجه وكان أخرها في الأيام القليلة الماضية حين تم صرف منحة استثنائية لكل النوادي أذن بها رئيس الدولة بعد أن قرر تحويل المبالغ التي كانت ستدفع لمشاهدة مباريات ال«كان» إلى النوادي بلا استثناء لنتأكد بذلك أن كرتنا ليست في حاجة إلى من يدفع بل في حاجة إلى من يفكر وينظّر ويقدم الحلول لا أن يعمّق المشاكل.