كانت الأيام القليلة الماضية حافلة بتصريحات أمريكية تسير في اتجاه التقارب مع الصين والسعي بكل السبل الى تجاوز خلافات الماضي وايجاد نقطة التقاء بين واشنطن وبيكين تكون منطلقا لفتح صفحة جديدة لن تكون الولاياتالمتحدة وحدها ولا الصين بمفردها من يرسم ملامح هذه الصفحة، بل إنّ الحسابات الاقليمية والقضايا الدولية التي تهم الجانبين وعلى رأسها الملف النووي الايراني هي التي ستحدّد بشكل كبير طبيعة العلاقات بين الطرفين على الأقل على المدى القصير، أو ربما على المدى المتوسط، فهل تنجح الولاياتالمتحدة في كسب موقف الصين، التي لا تزال الوحيدة من بين القوى الدولية الست المعنية بملف ايران النووي تقف في وجه تسليط المزيد من العقوبات على طهران؟ البداية كانت بتسلّم الرئيس الأمريكي باراك أوباما أوراق اعتماد السفير الصيني الجديد في واشنطن تشانغ يي سوي وتأكيده بالمناسبة تصميمه على تطوير علاقات ايجابية مع الصين وابرازه أهمية العمل معا وكذلك مع المجموعة الدولية حول مسائل دولية تثير خلافات وخاصة موضوع حظر انتشار الأسلحة النووية ومواصلة النمو العالمي الدائم والمتوازن. ولم يخف أوباما حرصه على أن تنضم الصين الى الجهود الدولية الرامية الى فرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي، فسارع بعد يومين من استقبال السفير الصيني الجديد إلى مهاتفة الرئيس الصيني هوجينتاو، واستمرت المكالمة ساعة كاملة بدا أوباما خلالها أحرص من أي وقت مضى علىانتقاء الكلمات التي تصب في ايجاد مناخ من التوافق بين بلاده والصين. ولا شكّ أن واشنطن التي تضررت علاقاتها بالصين لأسباب سياسية واقتصادية مثل اللقاء بين أوباما والدلاي لاما الزعيم الروحي للتيبت، الذي تتهمه بيكين بالنزعة الانفصالية، وبيع أسلحة أمريكية لتايوان التي تعتبرها الصين إقليما متمرّدا ومسألة صرف العملة الصينية (اليوان) الذي تعتبره واشنطن دون قيمته الحقيقية تحتاج وقوف الصين الى جانبها في أهم القضايا التي تشغل بال الادارة الأمريكية وفي مقدمتها المسألة النووية الايرانية. واللافت أيضا أن التحرّكات الأمريكية جاءت قبل أسابيع من عقد الجولة المقبلة من المحادثات الاستراتيجية والاقتصادية بين الولاياتالمتحدة والصين في بيكين موفى الشهر المقبل، وما يتطلبه ذلك من تهيئة أجواء من التوافق والاتفاق على عدّة نقاط خلافية لانجاح تلك المحادثات. وفي المقابل لم تقف الصين مكتوفة الأيدي إزاء هذا التقارب بين أحد أكبر خصومها (واشنطن) وأحد أهم حلفائها (بيكين)، فسارعت بايفاد كبير المفاوضين في ملفها النووي سعيد جليلي الى العاصمة الصينية حيث أكد توافق بلاده مع بيكين على عدم جدوى فرض عقوبات جديدة على ايران، في وقت تقول واشنطن إن بيكين قبلت الانخراط في «مفاوضات جدّية» في الأممالمتحدة لتبني مثل هذه العقوبات، الأمر الذي لم تؤكده الحكومة الصينية. المسؤول الايراني استغل فرصة وجوده في الصين لمهاجمة الولاياتالمتحدة والدول الغربية عامة داعيا إيّاها الى تغيير «وسائلها الخاطئة»، والتوقف عن تهديد ايران ومعتبرا أن الصين بوصفها بلدا كبيرا قادرة على القيام بدور مهم لتغيير هذه السياسات». وبالنظر الى كلا الخطابين (الأمريكي والايراني)، تبدو حالة التجاذب واضحة بين الخصمين اللذين يراهنان كثيرا على الدور الصيني في ايجاد حلّ يرضيهما، لكن الوجه الآخر لحالة التجاذب هذه تكشف أن «المعركة» ليست بين واشنطن وطهران لكسب تأييد الصين بل هي بين واشنطن وبيكين لتحييد ايران، لأن الملعب الدولي لا يتّسع إلاّ للعب بين «الكبار»، وإنما تبقى القضايا الدولية الأخرى في أي مكان من العالم مغذية لهذا الصراع، فإمّا أن تزيد في تأجيجه وإمّا أن تقود الى تهدئته أو ربما إنهائه إذا ما اقتضت لعبة المصالح المشتركة ذلك.