ثنائيات عديدة ذاع صيتها على امتداد التاريخي البشري، بعضها تاريخيّ وبعضها أسطوريّ وبعضها تفتّقت عنه مخيّلة الكتّاب والشعراء. إلاّ أنّها أصبحت، جميعها، مضرب المثل وحمّالة أوجه ودلالات: آدم وحواء، قابيل وهابيل، قيس وليلى، روميو وجوليات، دون كيشوت وسانشو بانسا، على جناح التبريزي وتابعه قفة...والقائمة أطول من هذا بكثير. وأغلب الظنّ أن ثنائيًّا جديدا سينضمّ إلى هذه القائمة، ويتكوّن من رئيس الوزراء البريطاني السيد غوردون براون، ولاعب كرة القدم الإنقليزي واين روني!! خاض السيد غوردون براون هذا الأسبوع في شأن الاقتصاد البريطاني وما يعانيه من صعوبات وما يتطلّبهُ من حلول لتفادي الركود.. كان يريد أن يشرح للناخبين قرار حكومته بتأخير التخفيضات في الإنفاق العام لمعالجة عجز في الميزانية يبلغ حجمه 248 مليار دولار، لمدة 12 شهراً. فلم يجد طريقة للشرح ولتسويغ القرار الصعب...أفضل من أن يمسك بالناخبين من الإصبع (كدتُ أقول من القدم) التي تؤلمهم...إذ ذكّرهم بلاعبهم المُدلّل، مطالبَا بالتعامل مع اقتصاد البلاد مثل التعامل مع واين روني: كلاهما مُصاب...وكلاهما يحتاج إلى الدعم كي يشفى...وكلاهما يحتاج إلى الدعم كي يستعيد لياقته وكي يرفع بعد ذلك كأس العالم!! لاشكّ أنّ هذه المقارنة سيكون لها ما بعدها. فقد ذهب الظنّ بالكثيرين إلى أنّ تكوير العقول والمربّعات والزوايا، واستغلال الكرة الرافعة للمعنويّات لتمرير رفع الأسعار وخفض الماديّات ظاهرة عربيّة أصيلة...وكانوا يظنّون أن حضور الكرة في كلّ محضر حَكْرٌ على العرب...فإذا هم يكتشفون أنّ بعض الظنّ إثم...وأنّ الأمر طال الجميع...حتى أنّ رجل السياسة الإنقليزيّ لم يجد لشرح المطلوب أفضل من ضرب المَثَل بلاعب كرة قدم مضروب... المشكلة أنّ تشبيه الاقتصاد بلاعب كرة قدم ليس في مأمن من الجدل والنقد...فللتشبيه قواعد ومدارس وفيه الحسَن وفيه الرديء وفيه البعيد والقريب والعجيب وفيه الجيّد المتماسك والفاسد المتهافت... ولا أدري إن كان السيد غوردون براون قد انتبه إلى الفروق الشديدة بين إصابات اللاعبين وإصابات الاقتصاد... الأولى تحدث غالبًا في الملاعب...على مرأى ومسمع من الجميع...بينما الثانية تحدث في الكواليس وفي الغرف المُغلقة ومن وراء الجميع!! كما أنّ علاج اللاعبين المُصابين تتحمّل كُلفَتَهُ الفرق الرياضيّة وشركاتُ التأمين...بينما لا تقع أعباء معالجة الاقتصاد إلاّ على اكتاف المواطنين ولا تتمّ إلاّ على حساب ما في جيوبهم المثقوبة!! أمّا الثالثة، فتتمثّل في أنّ اللاعب حين يُصاب يدفع الثمن من جسده وشخصه، بينما يُصاب الاقتصاد، فإذا المُضاربون أكثر ثراء، وإذا الفقراء أكثر فقرًا!! فعن أيّ مقارنة يتحدّث السيّد براون؟