وجوه الشبه قليلة، ولكن وجها واحدا منها يكفي للدلالة على المرحلة. وليد جنبلاط تربى لكمال جنبلاط الرجل الوطني التقدمي، وورث عنه زعامة حزبه ، وحامد كرازاي تربى لعائلة اقطاعية غير وطنية وقضى شبابه في حضن الأمريكيين. لكن كلا من الرجل راهن يوما على الهيمنة الأمريكية على وطنه ومنطقته، واليوم يسقط الرهان ولا يجد المراهنون الأذكياء من حل إلا العودة إلى حضن ناسهم. لا يهمنا من عودة وليد جنبلاط انه عاد إلى سوريا، بل الأهم انه عاد إلى ناسه في لبنان وسوريا. ولا يهم من عودة كرازاي الى قندهار ان فيها سؤالا كبيرا حول ما اذا كان تقربه من القبائل يهدف إلى استقطابها ضد طالبان، أو إلى مد جسور مع طالبان، المهم ان الرجل قد فهم بتواطؤ مع الأمريكيين او بالتخلي عن مرجعيتهم انه لا يستطيع الاستمرار بدون ناسه. مرة أخرى نقول ان جنبلاط ليس كرازاي، وان المعارضة اللبنانية التي عاد جنبلاط إلى صفوفها لا تشبه بأي ملمح من ملامحها طالبان، اللهم الا ملمحا واحدا هو كونها هدفا للأمريكيين. ولذا فإن ما يهمنا من هذه المقارنة كلها هو درس على الجميع ان يتعلموه، هو ان المراهنة على المحتل والطامع في الهيمنة لا تؤدي في النهاية إلا إلى الفشل، وان على من يريد البقاء ان يلتفت إلى ناسه: آمالهم، مصالحهم، قضاياهم، كراماتهم وحقوقهم. إلى جانب هذا الدرس الأبدي الاخلاقي، ثمة استنتاج آخر بالغ الأهمية، هو ان هذا الارتداد يشكل الدليل القاطع على ارتداد المشروع الأمريكي في المنطقة وفي العالم، على نهاية مشروع الشرق الاوسط الجديد، تلك النهاية التي كتبت فصولها الأولى في العراق وسجلت بداياتها المعلنة في حرب تموز. نهاية الاحادية الأمريكية، لا تعني بأي حال نهاية أمريكا، لا كدولة ولا كقوة عظمى، لكنها لم تعد الامبراطورية الاحادية، وهي في طريقها الى معادلة توازن دولي لن تكون فيه القوة العظمى الوحيدة. كثيرون في هذا العالم فهموا ذلك ، ومنهم الحلفاء الأساسيون للولايات المتحدة، من مثل فرنسا وألمانيا، وكثيرون من الساسة المحليون فهموا ذلك ونموذجهم جنبلاط وكرازاي، ولكن السؤال المقلق هو: هل يفهم النظام الرسمي العربي ذلك؟ وإذا ما فهم، هل هو على استعداد لأن يساهم في عودة التوازن الدولي أم انه سيظل وفيا للجلاد الأميركي إلى ان يجد جلادا آخر ؟ تاريخنا الحديث، يقول وللأسف المر، ان قياداتنا لا تتمرد على سيد الا لتستبدله بسيد اخر، في حين ان ضعف الطاغية يجب ان يؤدي الى التمرد عليه والتخلص من كل هيمنة عبر اتقان اللعب على وتر التوازنات الدولية، بدءا من تغذيتها ووصولا الى الوقوف في نقطة خاصة بينها. لعبة تحتاج الى ذكاء وتحتاج الى قرار وتحتاج إلى ارادة، وتحتاج وذاك هو الأهم إلى وعي شعبي وانظمة حاكمة لا تحتاج إلى أجنبي لكي يحمي بقاءها، بل تستمد قوتها وبقاءها من لحمتها الحقيقية مع شعوبها، وذاك هو الدرس الأهم الذي نقرأه في ارتداد جنبلاط وكرازاي.