أحالت دائرة الاتهام أمس على أنظار الدائرة الجنائية الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس ملفات ما عُرف بقضية المجمع الكيميائي التونسي التي تورط فيها مسؤول مهم، اتهم بالاستيلاء على المليارات. وحسب ملفات القضية، فإنّ المتهم وهو مسؤول بالمجمع وجهت إليه النيابة العمومية تهما متعلقة بتعمّد مدير بمؤسسة عمومية استغلال صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه ولغيره والاضرار بالادارة ومخالفة التراتيب المنطبقة على عمليات شراء وإدارة وحفظ مكاسب تابعة لمؤسسة عمومية طبق أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية. شكاية رسمية انطلقت الأبحاث إثر شكاية تقدّم بها وزير المالية الى وكالة الجمهورية بابتدائية تونس مفادها أنّ الرقابة العامة للمالية أجرت أبحاثا وتدقيقات حول صفقات مناولة اليد العاملة وعمليات الشراء والأشغال المنجزة باحدى أكبر الادارات بالمجمع الكيميائي التونسي، وقد أنتجت عمليات التدقيق المجراة وجود العديد من الاخلالات المرتكبة من قبل المدير. وحسب نفس ملفات القضية فإنه بعد استيفاء الأبحاث الأولية من قبل الادارة الفرعية للأبحاث الاقتصادية. أذنت النيابة العمومية بفتح بحث تحقيقي، للكشف عن كل ملابسات القضية وعن كل تفاصيلها. فسفاط استدعت النيابة العمومية الممثل القانوني لشركة المجمع الكيميائي التونسي وحضر لدى قاضي التحقيق فقال إن الشركة وهي مؤسسة عمومية تساهم الدولة بنسبة 99.99 بالمائة من رأس مالها البالغ أكثر من 238 مليارا من المليمات تنشط في مجال تحويل الفسفاط الذي يقع انتاجه من قبل شركة فسفاط قفصة إلى أسمدة كيميائية يتم ترويجها بنسبة تسعين بالمائة بالأسواق العالمية وتخضع لاشراف الصناعة والمؤسسات الصغرى والكبرى. ولاحظ الممثل القانوني للمجمع بأنه من صلاحيات الادارة التي تمت بها عمليات الاستيلاء، الادارة وتسيير مصلحة التزوّد والشراءات للمواد غير الأولية الخاصة بالمقر الاجتماعي ومصلحة الشراءات ومصلحة الصيانة.. وقد أشرف المتهم على الادارة المكلف بها من سنة 1995 الى سنة 2001. وصرّح الممثل القانوني للمجمع الكيميائي التونسي بأنه عملا بمأمورية صادرة عن وزير المالية فلقد تكفّلت هيئة الرقابة العامة للمالية بإجراء بحث حول صفقات مناولة اليد العاملة وعمليات الشراء والأشغال المنجزة من طرف الادارة التي أشرف عليها المتهم، وذلك بالنسبة إلى الفترة المتراوحة بين سنة 1995 وسنة 2001 وقد توصلت أعمال التدقيق المجراة في الموضوع إلى وجود اخلالات عديدة مرتكبة من قبل المتهم، تعلقت بصفقات مناولة اليد العاملة المختصّة وغير المختصّة المبرمة من قبل المجمع انطلاقا من سنة 1995 بواسطة إدارة الوسائل العامة وكذلك صفقات الشراء وإنجاز الأشغال وقد كشفت الأبحاث عن أن الادارة خلال فترة اشراف المتهم كانت تبرم صفقات كبيرة وضخمة بشكل مباشر مع شركات تزويد وشركات خدمات خاصة لقاء مبالغ مالية مرتفعة جدا بالمقارنة مع المبالغ الأصلية هذا فضلا عن أنّ تلك الصفقات لم تراع التراتيب القانونية وتعلن من خلال طلب عروض. المناولة والتلاعب بالأسعار حسب نفس الأبحاث، فلقد فاقت طلبات المناولة المعتمدة قيمتها 100 ألف دينار وخمسمائة ألف دينار ومع ذلك فإنه لم يتم العمل بالتراتيب الجاري بها العمل باتباع طريقة طلب العروض كما لم يتم إعلام مجلس الادارة. وقد تعامل المدير بنفس الطريقة مع شركة مناولة أخرى لانتداب عاملات تنظيف، وقد تواصل التعامل مع تلك الشركات حتى بعد انتهاء مدة العقد، وتوصلت الأبحاث أيضا إلى أنه تمّ التلاعب في الأسعار الحقيقية لطباعة مفكرات وتمّ التعامل مع نفس الشركة رغم الارتفاع الكبير في السعر المقترح. وقد أجري اختبار تكميلي سنة 2008 توصل إلى وجود فوارق هامة ناهزت 39٪ بين الأسعار الفردية التي اعتمدتها احدى شركات المناولة أثناء التعامل مع المجمع مباشرة مع الأسعار المقترحة من طرفه في إطار طلب العروض الذي أجرته الادارة العامة في نهاية سنة 2001 وتم تحديد مبلغ المضرّة بالاعتماد على نسبة الفارق في الأسعار على كامل رقم المعاملات وقدرت ب 967 ألف دينار. كما توصلت نتائج الاختبار الجديد إلى وجود تلاعبات في صفقات متعلقة باقتناء معدات تكييف، وتمّ تسجيل فوارق في الأسعار التي اقترحها المزوّد بلغت 50٪ بالنسبة إلى المكيفات الفردية و69٪ بالنسبة إلى المكيفات الجماعية، وتمّ تقدير قيمة الضرر ب247 ألف دينار، وتمّ الكشف أيضا عن تلاعب واستيلاءات عند اقتناء معدات وتجهيزات إعلامية، رغم أن ذلك لا يدخل ضمن مشمولات الادارة التي يشرف عليها المتهم، وتمّ ابرام صفقات دون وجه قانوني ودون احترام التراتيب والاجراءات الجاري بها العمل، وقد ناهزت قيمة الفوارق في الأسعار النصف. خسائر هامة تحمّل المجمع في بعض العمليات خسائر ب 190 ألف دينار بعنوان اقتناء مواد مكتبية و35 ألف دينار نتيجة طلب المتهم من لجنة الفرز بإدارة الشراءات بصفاقس بإعادة عمليات الفرز في احدى الصفقات واعتماد الحصص كمعيار وقد وقعت الاستجابة لطلبه بالرغم من أنه لا يمكن تغيير مقاييس الفرز بعد وصول العروض وفرزها باعتبار أن ذلك يعدّ اخلالا واضحا بمبادئ المنافسة والمساواة أمام الطلب العمومي وعدم التمييز بين المزوّدين التي تمّ التنصيص عليها وفق التراتيب وخاصة بالأمر عدد 442 لسنة 1989. كما بلغت الأموال المستولى عليها في صفقات المفكرات أكثر من 720 ألف دينار. مليارات بلا عنوان توصلت الأبحاث أيضا إلى وجود فوارق هامة في الأسعار المقترحة من قبل المزودين بحوالي 57٪ مثل اقتراح سعر 15.5 دينارا للمفكرة الواحدة من الحجم الكبير سنة 2001 في حين اقترح نفس المزوّد سنة 2002 سعر 8.5 دنانير وقدر بذلك الضرر بحوالي 308 آلاف دينار وتوصلت الأبحاث كذلك إلى أن المبالغ المدفوعة لبعض المزودين دون وجه حق قد ناهزت 203 آلاف دينار. وقدرت الأبحاث القيمة الجملية للضرر المادي الحاصل لشركة المجمع الكميائي التونسي بمليارين من المليمات التونسية. المتهم ينفي أنكر المتهم ما نسب إليه وأضاف بأنه يعارض ما جاء بنتائج الاختبارين، وقال إن لجنة الخبراء لم تتلق تصريحاته بل اكتفت بتلقي تصريحات الممثل القانوني للمجمع الكيميائي التونسي كما أن تقرير الاختبار بالنسبة إليه تعرّض لجوانب لم تشملها أعمال الرقابة ولا نصّ المأمورية من ذلك الخوض في مسألة الأداء على القيمة المضافة، إذ نسب له تحميل المجمع أعباء تلك الأداءات في حين أن المجمع غير معفى منها، أما بخصوص نسبة الخمسة بالمائة المتعلقة بالمناولة فلقد قال المتهم بأن ذلك تمت المصادقة عليه من قبل الإدارة العامة، وقال أيضا ان أعمال الاختبارات جاءت مخالفة للأبحاث التي أنجزتها دائرة الزجر المالي. ونفى المتهم ما نسب إليه، وقال إنه يطعن في أعمال الاختبار الذي اتسم حسب قوله بعدم الموضوعية خاصة بشأن تحديد المسؤوليات. وقال إنه لم يكن صاحب القرار الوحيد في المجمع وهو يعمل في إطار هياكل منظمة تحت اشراف الادارة العامة واللجان القانونية بالمؤسسة التي تحال عليها جميع الأعمال. المتهم أحيل أمس بحالة سراح أمام هيئة الدائرة الجنائية الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس.