لم يعد التحرير الكامل للأجواء التونسية أو ما اصطلح عليه ب«السماوات المفتوحة» مجرد خيار فرضته التحوّلات في ساحة النقل الجوي الدولي، بل أضحى بعد إدراجه ضمن البرنامج الرئاسي الخماسي (2009 2014) قرارا ملزما وسياديا، على الجميع المساهمة في تنفيذه وإنجاحه وتفادي انعكاساته وتداعياته السلبية الممكنة على مختلف مكوّنات منظومة النقل الجوي الوطنية. وحسب برنامج الرئيس بن علي لرفع التحديات فإن انطلاق تطبيق التحرير الكلي سيكون بعد سنة ونصف من الآن أي في أواخر 2011 وفي الحقيقة فإن انطلاق البرنامج كان جزئيا قبل ذلك بسنوات وأساسا مع بلدان الجوار وتحديدا ليبيا والمغرب في ما انطلقت منذ مدة المشاورات مع بلدان الاتحاد الاوروبي وأمريكا الشمالية وبعض الدول العربية في اتجاه إقرار اتفاقيات ملزمة معها في هذا الشأن يبدو أنها أ دركت مراحل متقدمة. وبغض النظر عما اذا كان إقرار التحرير الكامل للأجواء الآن قرارا مفروضا أو خيارا استراتيجيا استباقيا فإن الحكم الآن على الاستفادة أو التضرر منه يبقى سابقا لأوانه ومرتبطا بكيفية تطبيقه وطريقة الاستعداد له وبالمحصلة الاجراءات المصاحبة لتأهيل منظومة النقل الجوي ودعم تنافسيتها وتجويد خدماتها. وقبل ذلك فإن مهنيي السياحة ومسؤولي الطيران المدني ينتظرون تطبيق التحرير الكامل بأمل كبير لا يشوبه حذر أو توجس إذ أنه سيجلب لهم زيادة مؤكدة في إعداد الرحلات الجوية وبالتالي تطورا مهمّا في حركة الطائرات بكل المطارات التونسية بما في ذلك تلك التي ظلت مقفرة أو ضعيفة الحركة رغم عديد إجراءات التنشيط الوطنية وأيضا زيادة هامة في تدفق السياح. وفي المقابل فإن الناقلات الجوية الوطنية ستتأثر سلبيا وربما بنسب متفاوتة حسب درجة الاستعداد والقدرة على المنافسة أمام توسع ظاهرة الناقلات المنخفضة الكلفة low cost في أوروبا (سوقنا السياحية الاولى) والتي أصبحت تمثل قرابة 40٪ من نشاط شركات الطيران الاوروبية. ويرى الخبراء أن هناك فاتورة مفروضة على ناقلاتنا ستتحدد كلفتها حسب قدرة تأقلم شركات الطيران التونسية مع الوضع الجديد ومع توازناتها المالية القادمة في ظل تطبيق «وصفة النجاة» والتي تعتمد على التقليص من أسعارها في كل الاتجاهات والضغط على الكلفة العامة دون التقليص من جودة الخدمات ومستوى الرفاه على الطائرة وهي معادلة صعبة ويخشى أن تأتي على حساب الاعوان العاملين بالقطاع بحركة تسريح تتوسع بحساب القدرة على المواجهة والبقاء. وينصح الخبراء الناقلات التونسية بإطلاق شركات ذات كلفة منخفضة وأساسا في اتجاه الخطوط القريبة والمصدرة للسياح ذوي الدخل المتوسط الذين يبحثون بدرجة أولى عن الكلفة المعقولة المناسبة لميزاتهم قبل التفكير في الجودة والرفاه والمواقيت المضبوطة. ويبقى التساؤل الآن ماذا سيضيف لنا التحرير الكامل للنقل الجوي وهل سيساهم في تحقيق الاهداف الوطنية في المجال السياحي وعلىالأقل الكمية منها في ظل مراهنتها على استقبال 10 ملايين سائح في أفق 2014 ومضاعفة حجم العائدات. لكن في المقابل هل تضمن هذه الانجازات المرتقبة المساهمة في تحقيق أول أولويات الاهداف الوطنية وهو التشغيل سواء في السياحة أو النقل والقطاعات المرتبطة بهما.