تونس «الشروق»: هو من خيرة ما أنجبت الساحة الفنية من عازفين على آلة «الكمنجة»، ويعتبر أحد الركائز الأساسية للفرقة الموسيقية التابعة للاذاعة الوطنية.. تجربة تمتد على عشرات السنين، خاض خلالها عديد التجارب الموسيقية، وتمكن بفضلها من نحت اسمه في ذاكرة التاريخ الموسيقي التونسي. هو الفنان عازف الكمنجة والملحن البشير السالمي، الذي اخترناه اليوم ضيفنا لنستعيد معه ذكريات مشواره الفني. متى بدأت رحلتك مع الموسيقى ومع آلة الكمنجة؟ منذ كنت في العاشرة من عمري، بعد أن تحصلت على شهادة السيزيام والتحقت بالتعليم الثانوي انضممت إلى نادي الموسيقى بالقيروان. لماذا اخترت آلة الكمنجة بالذات؟ في بداية الستينات لم تكن متوفرة لدينا في القيروان آلات موسيقية، وكنت منذ طفولتي أصنع آلة قانون تقليدية بمعنى أدق مسامير في لوحة خشبية واربط تلك المسامير ب«خيط سنارة» بحيث يصبح يحدث دندنة، وكم كنت أفرح عندما أنجح في عزف قطعة كنت سمعتها في الإذاعة.. متى اقتنيت أول آلة كمنجة؟ في فترة دراسة الموسيقى لم تكن لي آلة ولم يكن بالإمكان شراء آلة، لكن كنت أستعير آلة في كل نهاية الأسبوع من المعهد الجهوي للموسيقى الذي بعث في القيروان وكنت أدرس به. وهل العائلة رفضت أن تشتري لك آلة؟ العائلة كانت ترفض أصلا فكرة ممارسة الموسيقى وخاصة والدي، نظرة المجتمع وقتها وخاصة في القيروان كان فيها ازدراء تجاه تعاطي الموسيقى، فالقيروان مدينة محافظة ولا يوجد فيها وقتها إلا الانشاد الديني. متى بدأت علاقتك بالساحة الموسيقية في تونس؟ أولى العلاقات كانت من خلال الملتقى القومي للشبيبة الموسيقية الذي كان يقام سنويا في فصل الربيع، وكنا نحرص على المشاركة فيه والبروز، وكانت تسيطر عليه وقتها مدن تونس وسوسة وصفاقس. هل تذكر بعض الوجوه التي التقيتها في الملتقى وصارت من نجوم الأغنية التونسية؟ طبعا أذكر أن أول لقاءاتي بعدنان الشواشي وعبد القادر العسلي ومنية البجاوي كانت في هذا الملتقى، وكان معي من القيروان الفنان الزين الحداد وعبد العزيز ميلاد. من له الفضل في التكوين الموسيقي للبشير السالمي؟ الفضل للّه، ثم لأستاذي محمد المكني وهو عازف قانون ممتاز، وأعطى صورة جديدة للموسيقى في القيروان، فهو الذي جمع الأولياء وحثهم على فسح المجال لأبنائهم لاقتحام المجال الموسيقي.. أيضا لا أنسى أحد المراجع الموسيقية الهامة وهو الشيخ حمودة زرقة الذي علمني المالوف والموشحات، فقد كوّن فرقة موسيقية وكنت من ضمنها وكنا نشارك في مهرجان تستور للمالوف وتحصلنا على جوائز.. لقد تعلّمت الترقيم الموسيقي عن أستاذي محمد المكني، كما تتلمذت أيضا على يد علي البرّاق وعبد المجيد سعد وعبد الرزاق طلحة. متى كان لك أول ظهور في التلفزة؟ عام 1974 كانت لي مشاركة في برنامج «نجوم الغد» الذي كان يشرف عليه المرحوم علي السريتي، وكان أيضا رئيس قسم الموسيقي بالاذاعة. وهل تذكر القطعة التي عزفتها؟ نعم، كانت أغنية «فكروني» لأم كلثوم، ولاقت نجاحا كبيرا وأجمع حولها كل أعضاء لجنة التحكيم. وكيف تمّ انتدابك للفرقة الموسيقية التابعة للإذاعة؟ مباشرة بعد مشاركتي في «نجوم الغد» اقترح عليّ المرحوم علي السريتي الانضمام للفرقة وهو ما تمّ فعلا، وأصبحت من أعضاء الفرقة منذ 1974. من كان معك في «نجوم الغد» من المطربين؟ عايدة بوخريص وليليا الدهماني وعدنان الشواشي وعبد الكريم صحابو ومنية وحسناء البجاوي وعلي هلال ومصطفى الشارني ومحمد الطالبي.. وهل كنت تحلم بالانضمام لفرقة الاذاعة؟ كانت أمنية حياتي، كنت عندما أشاهد الفرقة على شاشة التلفزة ادخل في حالة غير عادية كنت متيما بهذه الفرقة.. وهل وجدت صعوبات في التأقلم مع أجواء الفرقة؟ كنت سعيدا جدا، ولم أجد صعوبات، كنت في قمة السعادة بوجودي مع عازفين أفذاذ مثل حسن الغربي ومحمد اللجمي وأحمد القلعي وقدّور الصرارفي والناصر زغندة ومستاري العيد وبلقاسم عمّار.. كانت فرقة «ترعب».. هل تذكر من كان في كورال الفرقة؟ طبعا، خيرة الأصوات كانت في الكورال، محمد ساسي، مصطفى الشرفي ويوسف التميمي ومحمد أحمد وعزالدين ايدير، وعائشة وبشيرة التونسية، حتى نعمة كانت في الكورال وغادرت عام 1971.. مثلك الأعلى في العزف على آلة الكمنجة؟ في تونس، عندما يعزف بلقاسم عمار «نخرج من عقلي»، هناك أيضا رضا القلعي هو عازف غير عادي بالمرّة، ولا أنسى أيضا مستاري العيد الذي كان «صوليست» مع هيام يونس وصباح ونجاح سلام. ماذا أعطتك الفرقة الموسيقية للاذاعة؟ كل شيء، أعطتني ماديا وأدبيا وروحيا، بفضلها عرفني الناس، وصنعت اسم البشير السالمي العازف بفضلها، كما علمتني الانضباط والالتزام في المهنة. أساتذتك في القيروان عرفناهم، وفي تونس هل تدين بالفضل في تكوينك لشخص؟ طبعا، تعلمت الكثير من الأساتذة علي السريتي ومحمد التريكي وصالح المهدي والصادق ثريا إضافة إلى العازفين الذين ذكرتهم آنفا. إلى جانب الفرقة الموسيقية للاذاعة كانت لك تجارب أخرى، ما أهمها؟ تجربتي مع أنور براهم مهمة جدّا في مشواري فهي التي أعطتني الاشعاع العالمي، فقد قمنا بجولات في أوروبا. وصدرت الاسطوانات في أغلب العواصم الأوروبية. وبفضلها تمت دعوتي من قبل فرق موسيقية غربية في الدانمارك واليونان.. كما مثلت تونس في تظاهرة موسيقية عالمية نظمها «راديو فرنسا» عام 1993 وكنت العربي الوحيد. ما العمل الذي صنع شهرتك؟ «النهر الخالد» وهو العرض الذي قدّم بالمسرح البلدي وتمّ بثه على شاشة التلفزة. ما أجمل الأصوات التي عزفت في عروضهم؟ علية ونعمة والهادي الجويني والصادق ثريا وشبيلة راشد وعدنان الشواشي ولطفي بوشناق وصابر الرباعي وأمينة وصوفية. هل ثمة أصوات غنائية غير جديرة بالغناء؟ كثيرة هي الأصوات التي لا تستحق صفة مطرب أو مطربة، 20٪ فقط يصح فيهم لقب مطرب.. ما الذي تفتقره الساحة الموسيقية اليوم؟ الالتزام والانضباط في العمل وتحمل المسؤولية، هناك غياب كلي للصدق في العمل وعدم احترام الجمهور واحترام الذات أيضا، عندما يشعر الجمهور أنك غير صادق فإنه لا يتفاعل معك. هل تذكر حفلات رسخت في بالك؟ كثيرة هي الحفلات التي شاركت فيها أو كانت الفرقة بقيادتي. منها حفلات نجاة الصغيرة وورد ووديع الصافي وسعاد محمد وكارم محمود. شهادة تعتزّ بها؟ شهادة الفنان رضا القلعي رحمه الله، فقد قال ذات يوم بعد أن سمعني أعزف: «هذا خليفتي». وهل تشعر أنك خلفته؟ ليس من مشمولاتي، الناس هي التي تقيّم تجربتي. نقطة النهاية لهذا الحوار من مشمولاتك؟ لا يمكن أن أنهي الحوار دون أن أذكر أشخاص كانوا من روافد تجربتي وهم الفنان الراحل الطاهر غرسة ومحمد سعادة، وأستاذي المرحوم عبد الحميد بلعلجية الذي تعلمت منه أصول قيادة الفرقة قراءة وتحليل الترقيم الموسيقي، تعلمت الكثير منه طيلة 30 سنة من العمل معه، هو الذي مهّد لي الطريق لقيادة الفرقة الموسيقية للاذاعة. تجربتك في التلحين لم تكن غزيرة الانتاج؟ هذا صحيح، لم يكن لي الوقت للتلحين. كل تركيزي ووقتي كان للعروض والتمارين والتسجيلات، والحفلات العامة والخاصة، هذا إلى جانب الالتزامات العائلية. هل هذا يعني أنك أب مثالي؟ لم أترك الموسيقى تطغى على عائلتي، كل ما أنجزته لم يكن على حساب عائلتي، حرصت على أن يكون ثمة توازن، كما لم أكن أبا ديكتاتوريا. هل يعيش بيتك الأجواء الفنية؟ لا، بيتي بعيد كل البعد على الأجواء الموسيقية وهذا اختيار مني. أولادك لهم موهبة موسيقية؟ ابني عازف وله موهبة، أما بناتي فلا علاقة لهن بالموسيقى إلا من خلال الاستماع.