بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي لا أدري، لماذا وأنا أتابع أخبار غضب بركان «إيزلندا» وما سببه من شلل في حركة الطيران العالمي انطلاقا من أوروبا لماذا تذكّرت اجتماع سويسرا، بين «جيمس بيكر» وزير خارجية واشنطن وطارق عزيز وزير خارجية العراق، عندما قال الاول للثاني، وفي لغة تعال وغطرسة: سنرجعكم (في العراق) الى العصر ما قبل الصناعي؟ ولا ادري كذلك لماذا وأنا أشاهد حركة الطيران المشلولة في قلب العالم أوروبا، وقد حاصرتني بالمناسبة، صور مطارات العراق وليبيا زمن الحصارين.. لكن الفرق بين المشاهد المقارنة في الاول والمشاهد المقارنة في التالي، أن ارجاع العراق الى العصر ما قبل الصناعي كان بقرار غطرسة الانسان حين يرتدي لباس الامبريالية والاستعمار والهيمنة، فيما كان ارجاع أوروبا الى عصر السفر عبر البحر وعبر البرّ، جاء «بقرار» من الطبيعة... والطبيعة حين تغضب.. تعيد حتى «أمريكا» الى العصر ما قبل الصناعي... وقد رأينا سلسلة الاعصارات التي لم تبق ولم تذر، من مكوّنات العصر الصناعي وما بعد الصناعي... فكان الكهرباء مقطوعا... والاتصالات في خبر كان، والسيارات المتطوّرة لم تقدر على مجابهة ذاك الغضب.. لمدة اربعة أيام، ومطارات أوروبا لا حول ولا قوة لها، أمام الرماد المكوّن من حبّات الزجاج الحارقة وأمام انتشار وتوسّع رقعة سحب الغبار.. العالم المتقدّم، مشلول، بفعل بركان «إيزلندا» وقد أحالتنا مشاهد الذعر.. والانتظار.. والقلق.. والوقت الضائع.. والفرص المهدورة، إلى ما أمكن ان يعيشه ابناء العراق تحت «حمم» الصواريخ المنبعثة من الطائرات الحربية التابعة «للحربية الأمريكية».. هذه سحب غبار، منبعثة من بركان «إيزلندا» بدأت تبثّ الرعب في الانسان الغربي والعالمي عموما... لأن آثاره قد تكون وخيمة على البيئة والصحة في أوروبا، ولكن، هل كان هؤلاء الذين يمرون بلحظات الخوف والشك، إزاء الكارثة (هذه) يعرفون ماذا عانى ويعاني العراقيون جراء اليورانيوم المنضب .. الذي القت به القوات الأمريكية من سماء العراق ؟ .. وهل يعي هؤلاء الذين، يرتعدون اليوم من الغبار المنبعث من البركان، حجم الكارثة التي حلت بأبناء فلسطين في غزة، جراء الفسفور الذي كان الجميع يشاهده وهو يعتلي سماء غزة تماما نرى الآن غبار بركان إيزلندا، يتقدم وينخفض ويعلو في سماء أوروبا؟ ما وقع لأوروبا جراء البركان لا نتمنى حصوله .. وهذا يدخل في باب «قدر الطبيعة» غير المعروف حدوثه مسبقا، لكن ما وقع ويقع للعراق.. ولفلسطين، من اعتداء على البيئة وعلى الانسان، هو من فعل البشر .. وبقرار من صنف من البشر، ظنوا خاطئين انهم فوق الكون كله .. صور من هنا .. وصور من هناك .. وبالمحصّلة، رأينا العالم المتقدم والمالك لناصية العلم، يدمّر بها بني البشر في جغرافيا بعيدة عنه، كيف أصابه الرعب، ولا يزال، جرّاء كلمة من الطبيعة.. جاءت قبل سنوات قليلة في شكل أعاصير.. مدمّرة.. أودت بحياة الانسان والحيوان والشجر.. والمقدّرات.. ورأينا كذلك، كيف لا يستفيد هذا الصنف من البشر، من غضب الطبيعة.. وكيف أن هناك ما هو، مازال، تحت سيطرة البشر.. ودون مقدراته العقلية والعلمية.. فللاحتلال قول.. ينفّذه.. لأن الطرف المقابل أضعف منه.. وللطبيعة قول.. تجسّده.. لأن الطرف المعني من بني البشر أضعف ألف مرة من ضعف العراقي والفلسطيني والياباني، تجاه جلاديه.. المحتلون الذين لا يعترفون له: لا بحقوق.. ولا بوجود.. هكذا.. «عشنا وشفنا».. الغرب المتقدم.. يعود قسرا الى العصر ما قبل الصناعي.. ولو لأيام.. فالذي يعجبك في الطبيعة، أنها عادلة.. في توزيع.. الأذى.. والاحساس بالعجز..