وقفت سيدة أمام محل صغير لبيع إكسسوارات الهاتف الجوال صحبة ابنتها التي لم يتجاوز عمرها السبع سنوات لتشتري لها بعض الإكسسوارات والزينة التي توضع وتعلق بالهاتف الجوال وراحت الفتاة تقلب وتختار الأشياء التي ترغب في اقتنائها. هذا المشهد جعلني أتساءل عن جدوى استخدام الهاتف الجوال من قبل هذه الطفلة وغيرها من الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات وعن الدوافع التي تقف وراء إصرار هذه الفئة من الأولياء والأمهات على جعل أبنائهم الصغار يستخدمون الهاتف الجوال وما إذا كان هؤلاء على علم بالمخاطر التي يمكن أن تلحق بالأطفال الصغار الذين يستخدمون هذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة وهل أن إصرار الأولياء على تمكين أبنائهم من امتلاك هواتف خلوية يدخل ضمن إطار الضرورة الملحة أم ينضوي تحت باب الترف المبالغ فيه. هذه الأم التي كانت منهمكة في اقتناء إكسسوارات الهاتف الجوال التي تمتلكه ابنتها قالت إنها مضطرة للسماح لابنتها الصغيرة باستخدام الهاتف الجوال للاطمئنان عليها لأنها تغيب عنها طوال الوقت أثناء العمل وبهذه الطريقة تعرف كل ما يحدث معها في المدرسة وفي المحضنة. أم أخرى قالت إنها اشترت هاتفا جوالا لابنها الصغير والذي يدرس بالسنة السادسة ابتدائي تحت ضغوطاته وإلحاحه المستمر عليها وأضافت لم أستطع مقاومة بكاء ابني ومطالبته المستمرة لي بأن أشتري له هاتفا جوالا على غرار بقية أصدقائه وزملائه في القسم فخضعت لرغبته وفي الحقيقة عجزت عن إقناعه بعدم أهمية استعمال الهاتف الخلوي لأنه ببساطة كان رافضا لكل المبررات والأعذار. تقليد عدد من التلاميذ الصغار الذين يملكون هواتف جوالة قالوا إن أصدقائهم الذين يملكون هواتف جوالة ليس أفضل منا وانه من حقنا امتلاك هذه الوسيلة التواصلية هذا بالإضافة إلى أننا في حاجة ماسة إليه كي يطمئن علينا آباؤنا وأمهاتنا عندما نكون بالمدرسة أو المحضنة هذا واعترف جميعهم أن الهاتف الجوال كثيرا ما يسبب عددا من المشاكل بين الأصدقاء كالغيرة والشجار والخصومات. واعترفت إحدى التلميذات أن امتلاك صديقاتها لهواتف أغلى ثمن ومن أحدث طراز يبعث في نفسها الغيرة ويدفعها إلى ممارسة بعض الضغوطات على والديها رغم علمها بعدم قدرتهما على توفير ثمن الهاتف الجوال التي ترغب هي في شرائه مما يعرضها إلى التأنيب من قبلهما وأحيانا كثيرة إلى العقاب والحرمان من المصروف خاصة إذا تجاوزت حدود اللياقة خلال نقاشها معهما. وواصلت تقول: أتمنى من كل قلبي أن يقع منع استعمال الهاتف الجوال عن تلاميذ الابتدائي حتى أرتاح أنا ومن مثلي من التلاميذ من هذا الشعور البغيض والمؤلم ألا وهو الحرمان والغيرة في الوقت نفسه. مخاطر بالجملة من جهته بين الدكتور عماد الرقيق المختص النفسي أن امتلاك التلاميذ الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم ال«12» سنة للهواتف الجوالة لا يخلو من المخاطر الصحية والمعنوية في الوقت نفسه وقد أشارت إلى هذه المسألة العديد من الدراسات النفسية والتربوية وأول هذه المخاطر نذكر ضعف التركيز في الدراسة وإضاعة الوقت سواء في اكتشاف وظائف جهاز الهاتف الجوال أو الانشغال بالألعاب على حساب المراجعة والدراسة وثانيها هو كثرة الشجار والخصومات بين التلاميذ على خلفية الشعور بالغيرة والحسد وامتلاك البعض لأجهزة غالية الثمن وهؤلاء عادة ما ينظرون نظرة استعلاء لبقية زملائهم والذين سيشعرون بدورهم بالدونية وهو ما يؤجج الأحقاد بينهم وبالتالي توجيه الجميع لاهتماماتهم إلى مثل هذه المشاكل والأمور الثانوية وإهمال دروسهم. هذا بالإضافة إلى إمكانية تعرض الطفل إلى العنف أو الاعتداء أو السرقة خاصة عند خروجه إلى الشارع واستعماله للهاتف دون وجود مرافق له وهو ما يمكن أن يتسبب في صدمة وأذى نفسي كبير للطفل. دور الأولياء وأشار الدكتور عماد الرقيق إلى أنه على الأولياء الالتزام بعدد من الشروط عند اقتناء هاتف جوال للأبناء منها الطلب من الطفل المساهمة في دفع ثمن الهاتف الجوال ليعمق شعوره بالمسؤولية ويساعده على اكتساب توجهات جديدة إيجابية فيما يخص التعامل مع هذا الجهاز الالكتروني. بالإضافة إلى ذلك على الأولياء شرح سبب تمكين الطفل من امتلاك هاتف جوال وتوضيح الغاية من استعماله باعتباره وسيلة للاطمئنان عليه أثناء وجوده بالمدرسة أو المحضنة. مع وجوب مراقبة طريقة استخدام الهاتف الجوال من قبل الطفل وتحديد فترة زمنية لذلك وعدم السماح له باستعماله في الشارع لتجنب تعرضه للخطر مهما كان نوعه.