بقلم: رضا بوزريبة : (عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل) يمر صندوقا الضمان الاجتماعي (الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)، بوضعية مالية صعبة قد تتفاقم في المستقبل القريب والبعيد، إذا ما استمرت مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وتلك المتعلقة بهيكلة أنظمة الضمان الاجتماعي على ماهي عليه اليوم. مع العلم أن تأثير هذه المؤشرات على الحالة المالية للصناديق مزدوج. فهي تساهم في تقليص الموارد وتفاقم العجز من جهة كما أنّ نتائجها السلبية تجعل مختلف الأطراف تطالب الصناديق بمزيد من التدخل لامتصاص هذه الآثار من جهة ثانية. إذن هذه هي الاشكالية الكبرى والمعادلة الصعبة التي يواجهها الضمان الاجتماعي في بلادنا والتي تتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والمسؤولية والارادة السياسية لتشخيص الوضع من ناحية (وهو ما قمنا به مع قسم الدراسات والتوثيق من خلال دراسة تحت عنوان: «صناديق الضمان الاجتماعي في تونس: الواقع والآفاق»، والصادرة في ديسمبر 2005) وتحديد الأسباب بكل دقة وموضوعية واقتراح الحلول الآجلة والعاجلة لضمان توازنات أنظمة الأجراء وديمومتها على الأقل في أفق سنة 2030 من ناحية ثانية. ولاستعراض الوضعية المالية الراهنة لصندوقي الضمان الاجتماعي وكذلك الأرقام الخاصة بأنظمة التقاعد واعتمادا على آخر الاحصائيات المدققة والنهائية لسنة 2007. نلاحظ أن الوضعية المالية العامة للصندوق قد تدحرجت في فترة وجيزة (2002 200) من نتيجة ايجابية ب49.310 مليارا الى نتيجة سلبية ب 28.647- مليارا وذلك رغم الترفيع في الاشتراكات بعنوان النظام العام للتقاعد. الترفيع في الاشتراكات بعنوان النظام العام للتقاعد في القطاع العمومي: زيادة ب2.2٪ سنة 1994: 1٪ بداية من غرة جويلية 1994 بالنسبة للأجير و1.2٪ بداية من غرة جويلية 1995 بالنسبة للمؤجر. زيادة ب2.5٪ ابتداء من غرة جويلية 2002: 1.5 على كاهل المؤجر و1 على كاهل الأجير. زيادة تدريجية على امتداد 3 سنوات ب3٪، 1.8 على كاهل المؤجر بداية من غرة جانفي 2007 و1.2 على كاهل الأجير بداية من غرة جويلية 2007. أي زيادات ب7.7٪ منها 3.2٪ على الأجير و4.5٪ على المؤجر. كما أقرت الحكومة مراجعة شرطي الاحالة على التقاعد لتوفر الأقدمية والسن (35/55) من خلال الترفيع بسنتين في كل شرط ليصبحا 57 بالنسبة للسن و37 سنة بالنسبة للأقدمية في العمل، وكذلك تحديد سقف للجراية القصوى الممنوحة للبنت العزباء حتى لا يتجاوز في كل الحالات 50٪ من جراية الأصل مع دراسة افتتاح الحق في هذا الصنف من الجرايات عند وفاة المنتفع الأصلي. هذا واتخذت الحكومة أيضا إجراء يتمثل في تحميل المنتفع بجراية كامل المساهمات بعنوان التعديل الآلي للجرايات طيلة مدة صرف الجراية بعد استيفاء 36 شهرا من القسط المحمول على كاهل المؤجر. والملاحظ أن الزيادة في الاشتراكات بعنوان التقاعد لم تكن الأولى من نوعها بحيث أقرت الحكومة سنتي 1994 و2002 زيادتين على التوالي ب2.2٪ و2.5٪ والملفت للانتباه هذه المرة هو أن الزيادة الجارية ب3٪ في اشتراكات أنظمة التقاعد وخلافا للزيادتين السابقتين لم تمتص العجز المسجل في التوازنات المالية العامة، بحيث استقر العجز سنة 2007 حسب الأرقام المالية النهائية في حدود 28.647064 مليارا وذلك رغم تخلي الصندوق عن نظام الحيطة الاجتماعية لفائدة الصندوق الوطني للتأمين على المرض. وهكذا يمكن الاستنتاج أن الزيادة بعنوان اشتراكات التقاعد سوف يكون لها في أحسن الحالات انعكاس على تخفيض مبلغ العجز لا غير وأنّ التوازنات المالية العامة للصندوق تتجه نحو تفاقم العجز وأن أنظمة التقاعد تتسبب بدرجة كبيرة في اختلال هذه التوازنات وأن أسباب كل ذلك عديدة سوف نستعرض أهمّها في ما بعد. (يتبع)