بقلم الشاعر سامي السنوسي (عضو اتحاد الكتّاب) مرت السنوات سريعا منذ «ثورة» الكُتّاب سنة 2003 على الممارسات البالية لهيئته في تلك الفترة والتي تمخّضت عنها عريضة ال«102» التاريخية بكل المقاييس ولا شيء في الأفق يدل على تجاوز اتحاد الكتّاب تلك الفترة ورغم تعاقب الاشخاص وتعاقب الوعود كعادة كل مَن صعد الى دفة التسيير نُصّبت لخيرة كُتّابنا المحاكم القروسطية وهُدّدنا في أرزاقنا وأعمالنا وخُبزنا العائلي. قرر من كان في مركز القرار طرد (ظافر ناجي، عادل معيزي ومحمد الهادي الجزيري) واستقلتُ احتجاجا لتنهمر الاستقالات تباعا، بعدها جاءت هيئة الدكتور صلاح الدين بوجاه وكانت مرحلة انتقالية، وهي مرحلة على عللها وركودها، نجحت في تقريب وجهات النظر بين أعضاء العائلة الواحدة وكانت اللحظة التاريخية التي طالب فيها المؤتمرون بعودة غير مشروطة للمطرودين والمستقيلين وهو ما قبلناه ودخلنا قاعة المؤتمر تغالبنا دموعنا، دموع الاحساس بانتصار صوت العقل، ترافقنا هتافات المؤتمرين ودموعهم لنُنشد جميعا النشيد الرسمي الذي يجمعنا حُبا في هذا البلد. في ذلك المؤتمر رفضنا أن نُقدّم ترشّحنا للهيئة حتى نُثبت أننا لا نبحث عن منصب أو معاملة تفاضلية. والحقيقة ان ما وجدناه عند الدكتور صلاح الدين بوجاه من رحابة صدر وثبات على الوعود، جعلنا ننتظر المؤتمر الذي يليه ليكون الانطلاقة الحقيقية لاتحاد الكُتّاب. فالدكتور وعد بعدم تجديد ترشحه ليُعطي المثال (ونحن نُقدّر له ذلك حتى وإن اختلفنا في بعض المسائل الاخرى، وهي سمة الكُتّاب) وكان مثالا لصورة المبدع الحقيقي الذي يقرن كتاباته بممارساته تطبيقا لمفهوم الحداثة، هذا الحمار القصير الذي ركبه أصحاب الفكر القبلي من أعضاء الهيئة الحالية. كان لابد من هذا الجرد التاريخي القريب حتى نصل الى الهيئة الحالية للاتحاد قبل المؤتمر الاخير، انطلقت الحملات الانتخابية والبحث عن التحالفات وهي مسائل مشروعة (وإن كنتُ ضدّها) بعض الأصدقاء ترشحوا في قائمة، ثم بحثوا عن رئيس لها ليضمنوا الصعود! بطبيعة الحال، لم أكن مدعوا لهذه القائمة باعتبار قلة علاقاتي التي لن تُمكّنهم من أصوات انتخابية اضافية. ومن رئيس قائمة الى آخره، عادوا لأكون معهم في نفس القائمة. وجوابي كان واضحا وضوح ما أقول الآن : لم أفكّر في الترشح ولا ولن أقبل ان أكون الاحتياطي الاخير (أليس كذلك يا شاعرنا، يا محمد الهادي الجزيري؟) قلتها بوضوح ليس لي أي فرصة للصعود ولكني مصرّ على الترشح خارج القائمات والتحالفات. القائمة الاخرى على رأستها الشاعرة جميلة الماجري، وهي قائمة واضحة العدد والعدة. ومع ذلك، كانت هناك اتصالات ووعود لخيانة مَن كان في قائمتها. استحضر هنا لقاء في مقر مجلة معروفة قبل المؤتمر الاخير، وكيف كان الحوار هادئا حتى خلنا أننا في حضرة الأنبياء: كل ما قلناه عن أهمية تمثيل الاتحاد في المجلس الاعلى للثقافة مثلا، او حتمية تحيين القانون الأساسي والنظام الداخلي بما يتلاءم مع ما وصل اليه الكاتب التونسي من وعي والتزام حقيقي بأسس المجتمع المدني والدعوة الى تجسيد ذلك في ممارساتنا اليومية والابداعية، مع التأكيد على حق الاختلاف وحرية الرأي والتأكيد على أهمية الوسطية في كل المسائل مهما كانت صعوبة تناولها. كل ذلك أجمع عليه الجميع بل زادوا فيه (افهموها كما شئتم بالعربية او بالدارجة). تمخّض المؤتمر عن صعود مزيج من قائمتين بنسبة تجديد 90٪ وهو ما هلّلنا له خاصة وأن البيان الانتخابي لكليهما أكد على أهمية بل الضرورة العاجلة لمراجعة قوانين الاتحاد. وللتذكير، فإن اللائحة العامة للمؤتمر (وهي ملزمة للجميع) التي قرأها مقرر اللجنة الباحث محمد المي، وضعت هذا المطلب العاجل على رأس اللائحة. وانطلاقا من هذا المعطى الرئيسي، عملنا على مساندة هذه الهيئة الجديدة والاقتراب منها في الاشهر الاولى. ولكن! وبسرعة قياسية، بدأت حقيقة البيانات الانتخابية تظهر. البداية كانت ربيع 2009 اذ كانت هجمات اعضاء الهيئة على كل الملتقيات كبيرة ومكثفة، من كل الجهات وفي كل الجهات حتى خلنا أنها (أي الملتقيات) ستكون الاخيرة او سيقع تحجيرها بعد الربيع. تصوّروا القدرة على الحضور في ندوتين مختلفتين وفي نفس اليوم (ولسنا هنا ضد قوت اللواجات او التاكسيات او باعة البنزين). انه شعار «انتشروا» من لم يكن شاعرا، يمكن ان يترأس جلسة او يقرأ ما تيسّر من كتابة نقدية كُتبت على عجل في الطريق. نحن لسنا ضد حضورهم او ان تغطي صفتهم «الادارية» صفتهم الابداعية ولكن كان من الاحرى الاستغلال الايجابي للصفة الاولى وذلك مثلا باشتراط مشاركة أديبيْن على الأقل من خارج الهيئة مقابل تدعيم الاتحاد للملتقى المزمع حضوره بما يسمح خاصة بمشاركة أدباء الجهات. ثم بدأت الخلافات الداخلية المهمة جدا مثل أحقية المكتب الوثير والفاكس والهاتف والمراسلات! ودُفن مشروع الحديقة الغنّاء التي حلمنا بها في أحلامنا الطوباوية تضامنا مع أحلام الجزيري، والتي يقرأ الكُتّاب فيها محتويات المكتبة، بل أزيلت الكراسي حماية للاتحاد من السكارى كما ورد في رد الكاتب العام (وهو الجزيري الاخر!) على الشاعر الكبير عبد الله مالك القاسمي. المسألة أصبحت واضحة حتى بعد انتفاء الخلاف الداخلي : الخيرات كثيرة فلماذا نختلف؟ أرقام الهواتف التي سكنت في شرائح هواتفنا قبل المؤتمر حتى خلناها شبه اليومية انتهت الى تجاهل تام وكامل للوعود. وحين أردنا لفت انتباه الهيئة الى بعض الهنات، كانت الصدمة ببيان صدر عن الهيئة وكان على شكل صواريخ من التهديدات المبطنة لكل من يتجرأ على نقدها وكأن رئيسة الاتحاد فوق النقد وأعضادها من المنزّهين. السفرات البرية والمحمولة جوا والملتقيات العديدة وكسب علاقات مع النافذين والمدخلين في المشهد الثقافي ونسيان الوعود الانتخابية، هذه هي اضافات المكتب الجديد. يُضاف اليه العمل على قطع الأرزاق كما علمنا في حالة الباحث محمد المي، التراخي في التعامل مع الملفات الاجتماعية العاجلة لبعض الكتّاب، البرمجة المرتجلة القائمة على عدم الاخذ بالمشورة وعدم الاعلام بالانشطة او في أقصى الحالات دعوتنا ككومبارس مكمّل للصورة. والغريب ان الهيئة تفتخر بانتظام أنشطة النوادي وصدور مجلة المسار. والحقيقة ان انتظام النوادي يُعتبر من الاعمال البديهية لا الخارقة. أما عن مجلة المسار فقد اختلفت أشهرا كاملة لتظهر بعد ذلك في صيغة «أربعة في واحد» ثم أصبحت 2*1. والمؤسف ما أبدته رئيسة الاتحاد من تهكم في ردودها على من خالفها الرأي في برنامج خاص عن تجربتها الابداعية في التلفزة. أما ما جعلنا في حالة لا توصف من الحزن والانكسار فهو الغياب التام للهيئة في جنازة الشاعر الراحل محجوب العياري وأرجو ان لا يكون تبريركم هو أنكم تطبقون وصيته في عدم تأبينه. في المقبرة عرفنا قيمة الكاتب عند اتحاد الكتّاب: لا شيء! الخلاصة، لقد انتخبناكم لتغيّروا عبر مشروع واضح قوانين الاتحاد بما يتناسب مع درجة الوعي التي وصل اليها الكاتب التونسي وهي المهمة العاجلة حتى تتضح مسؤوليات الهيئة ومجالات تدخّلها وعملها من جهة، وليعرف العضو ما له وما عليه. وحيث إنكم قمتم بالبرمجة الخاصة بهذه السنة وقمتم بنشرها في الصحف وهي خالية من هذا المطلب العاجل، فإني لا أخالكم أجّلتموه لسنة 2011 باعتبارها سنة انتخابية بل أنكرتموه وهو الذي كان وقود حملاتكم الانتخابية. لكل ذلك، أدعوكم الى التحلي بالشجاعة المعنوية وإن شئتم الابداعية للدعوة لعقد مؤتمر استثنائي او تقديم استقالتكم العاجلة احتراما لوعودكم الانتخابية. ونعدكم بعدم تقديم استقالتنا هذه المرة كما فعلنا سنة 2003 لأننا اخترنا التغيير من داخل الاتحاد.