تبدو منظومة التعليم العالي مقبلة على خطة تنفيذية طموحة لتعميق الاصلاح وتلافي عديد الاخلالات والنقائص التي ظهرت وألقت بظلالها على الخريجين وجودة تكوينهم وعلى مستوى الشهائد التونسيةوخاصة تصنيف الجامعة التونسية على المستوى الدولي. وبلا مواربة فإن التصنيف الدولي للجامعة التونسية، أقدم الجامعات العربية والاسلامية والتي تجاوز عمرها نصف قرن، مازال دون الانتظارات وغير مواكب للاهتمام الذي تلقاه من السلطات العليا. وتبدو الحاجة ملحة اليوم، ومثلما أكده رئيس الدولة أمس، الى مزيد الارتقاء باطار التدريس وتحسين جودة التعليم العالي في اتجاه تعزيز حضور حاملي شهائد الدكتوراه في سلك التدريس الجامعي والتقليص من حجم أساتذة التعليم الثانوي فيه، كما تبدو الضرورة ملحة الى اعادة النظر في الخارطة الجامعية في اتجاه تعزيزها ودعمها وأساسا في الجهات الداخلية، وأيضا مراجعة خارطة الشهائد والاختصاصات، إذ نعيش اليوم تعدّدا في الشعب والمؤسسات الجامعية يقابله تشابه كبير في المحتوى والشهائد الممنوحة، وكأننا أمام رهان كمّي وليس نوعيا. هذا المناخ أدّى الى عجز سوق الشغل عن استيعاب الخريجين وهو ما يفترض اعادة النظر في محتوى التكوين واطار التدريس والاقتراب أكثر من متغيرات وحراك سوق الشغل ومتطلباتها من الخريجين. ويمكن الوصول الى ذلك عبر تعميق الشراكة بين المؤسسات الجامعية وقطاع التكوين المهني وأيضا منظمات أصحاب الأعمال والاتجاه أكثر نحو تخريج الفنيين السامين والمهندسين الذين يمثلون الحلقة الأهم والاكثر فائدة للمؤسسة التونسية في رهانها التنافسي. كما تبدو الجامعة التونسية مدعوة الى الاقتراب من المعايير الدولية لتكون شهاداتها مقروءة دوليا، وهو ما يقتضي تحسين جودة التعليم العالي وهيئة التدريس وحجم المؤسسات ومخرجات البحث العلمي والزيادة في اعداد الشهائد المزدوجة مع جامعات البلدان المتقدّمة. إن النهوض بمنظومة التعليم العالي وتقويم اداء مؤسساتها جهد يومي لأنه من غير المعقول أن تبقى جامعتنا مصنّفة في مرتبة غير ملائمة دوليا في حين يحتل اقتصاديا مرتبة متقدّمة عالميا، إذ بلا جامعة ذات تكوين عالي الجودة لا يمكن بناء مجتمع الذكاء والمعرفة مثلما يريده الرئيس لتونس.