رفح مدينة فلسطينية مصرية مشتركة... العائلات فيها متصاهرة ان لم تكن واحدة... وقد كرس تقسيمها بموجب اتفاقات كمب دافيد سيئة الصيت. وعدد السكان حوالي 150 ألفا وفيها في الجانب الفلسطيني الواقع في قطاع غزة عدد من المخيمات التي آوت المهجرين من أرضهم وديارهم... وبين شطري المدينة أقيم المعبر الذي حمل اسمها وشيد بعد كمب دافيد وخروج الصهاينة من سيناء عام 1982، ولم تخف اسرائيل رغبتها في السيطرة على معبر رفح خاصة بعد جلائها عن قطاع غزة وقيام ما سمي السلطة الوطنية في الضفةوالقطاع... وأصبح للمعبر قيمة مضاعفة بعد استفراد حركة حماس بالسلطة في غزة عام 2007 حيث تم فرض حصار مشدد على القطاع بحرا وجوا وباغلاق المعابر بينه وبين الكيان الاسرائيلي... أما الانفاق فهي موجودة بأعداد قليلة منذ سنوات تستخدم للتهريب وخاصة عندما كان القطاع مشتعلا بالمقاومة ضد الاحتلال حيث استغلت هذه الانفاق لدخول وخروج المناضلين الملاحقين وكذلك السلاح من دون شك... وبعد فرض الحصار واحكامه بهدف اسقاط حماس تزايد عدد هذه الانفاق حتى قيل ان عددها تجاوز الألف والستمائة في حدود لا يتعدى طولها الاحد عشر كلم جزء كبير منها (حوالي ثلث المسافة) أراض رهوة يصعب حفر الانفاق فيها بل قيل ان المنطقة الطينية الممكن ان تتماسك فيها الحفر لا تزيد عن اربعة كلومترات... وغدت الانفاق مصدر حياة لسكان غزة المحاصرين ويقدر عدد العاملين فيها من الجانب الفلسطيني بحوالي ثلاثين ألفا ومن الجانب المصري بما لا يقل عن عشرة آلاف... وإذ أحست اسرائيل ان حصارها لم يركع حماس وان عدوانها (الرصاص المسكوب) لم ينه وجودها فقد ركزت على شن الهجمات الجوية لتدمير هذه الانفاق التي لم تعد فوهاتها خافية... وسقط من سقط من القتلى في هذه الحفر سواء بالاختناق او بالانهيارات او بسبب القصف المتكرر لكن الغزاويين على عادتهم لم يحنوا الهامات. وفي السنة الماضية كشف النقاب عن قيام مصر ببناء ما سمي الجدار الفولاذي ويجري تنفيذه على مرحلتين أمّا الاولى فتمثلت في تركيب أجهزة جيولوجية ذات تقنيات عالية للكشف عن الصوت والحركة في باطن الارض وعلى أعماق كبيرة. وأما الثانية فهي بناء جدار فولاذي بطول الحدود أي حوالي 10 كلم وعمق يصل الى 30 مترا تحت سطح الارض ويتكون من صفائح صلبة أعدت وجربت في أمريكا مقاومة للمتفجرات ومزودة بمجسات ضد الاختراق مضاف الى ذلك ماسورة تمتد من البحر وتتفرع عنها مواسير مثقبة تقوم بضخ الماء باستمرار بهدف احداث تصدعات وانهيارات للأنفاق مع بناء بوابات الكترونية بهدف الكشف عن المتفجرات والسلاح وأية معادن أخرى. كل ذلك بإشراف كامل من ضباط مخابرات أمريكيين وفرنسيين حسب بعض المصادر. وقد بدا العمل سرا في البداية وعندما اكتشف الامر أكدت مصر أنها تفعل ذلك حفاظا على الأمن القومي المصري. واذ يبدو ان المشرفين على الانفاق اما انهم توصلوا الى طريقة لتجاوز الجدار او انهم كثفوا نشاطهم قبل اكتمال بنائه فقد نقلت أنباء غزة أخبارا لا يمكن وصفها الا بأنها مفزعة حيث قيل ان عددا من الشباب الفلسطينيين، من العاملين في الانفاق ماتوا أو أصيبوا باختناقات بسبب قيام مصر بضخ غاز خانق في بعضها. طبعا حفاظا على الامن القومي اذا ما صحت هذه الاخبار. في المقابل لم تحرك العواصم العربية ولا الاجنبية الباحثة عن السالم ساكنا ازاء انفاق أخرى مكانها القدس.. أنفاق دأبت قوات الاحتلال عل حفرها طوال سنوات بحجة البحث عن آثار الهيكل المزعوم.. أنفاق شملت ساحة البراق في حي المغاربة وحي سلوان أسفل المسجد الاقصى ومنطقة المطهرة وباب السلسلة.. أنفاق تكاد تشمل كل مساحة المسجد الاقصى وتطال مساكن المقدسيين مما أدى الى انهيارات في المسجد نفسه وتصدع في المساكن. وما يجري في المدينة يبدو انه لا يدخل في الأمن القومي العربي او الاسلامي اذ لم يقابل في أفضل الحالات الا باستنكارات لا تسمن ولا تحمي وتجعل الفلسطينيين عموما والمقدسيين بوجه خاص مرة أخرى وحيدين في مواجهة العدوان الصهيوني وهجمته التهويدية. هذه هي الصورة : أنفاق هي شريان الحياة لنصف مليون من البشر تدمر وتخنق.. وأنفاق هدفها البحث عن تاريخ وهمي وأساطير وخرافات تشق ولا أحد يتقدم لوقفها... وننتظر بزوغ الفجر وهو آت لامحالة بعد ليل.