رجل يعمل في صمت. شاعر وأستاذ ومدير مهرجان، بدأ ينحت طريقا له نحو الآخر. يؤمن بالمغايرة على اختلافها لكن حبة التراب التونسي لا يمكن تبديلها بكنوز الدنيا. «الشروق» أجرت معه الحوارالتالي: ماذا تساوي مدينة سبيطلة التاريخية بلا مهرجان يجمع مثقفيها ومثقفين تونسيين وعرب؟ دون مهرجان يجمع شتات مثقفيها ويجلب إليها اهتمام الاعلام الوطني العربي تتقوقع سبيطلة على نفسها وبين أحجارها الصفراء... وهو ما لا يجب أن يكون إذ أن الضرورة اقتضت تأسيس تظاهرة جادّة تعيد الى سبيطلة اشعاعها الغابر تدريجيا. منذ سنوات قمتم بتكريم الاديب الراحل محمود المسعدي، ماذا بقي من وجوه التكريم؟ بادر ربيع سبيطلة بتكريم أديبنا الكبير محمود المسعدي (قبل وفاته) وهذا في حد ذاته نيشان سيظل معلّقا على مدير المهرجان الذي انساق وراء افكاره لا وراء ثقافة السائد واملاءات الفضائيات التي أهملت المسعدي وكل العقول السليمة وفاقد الشيء لا يعطيه لأن مالكي هذه القنوات أمّيون ولا مشروع ثقافي لهم. ربيع سبيطلة كرّم الفنانة الاصيلة منى واصف، أم الشنفرى، وسيدة المسرح العربي سميحة أيّوب وهذه السنة يحتفي بنجم الغلابة سعيد صالح. قد كان ملائما ان تكرّموا مصطفى العقاد... وكان ذلك يمثّل حبّة لؤلؤ نادرة. لماذا تأخرتم عن هذا الموعد؟ في الحقيقة نسعى كي نكرّم وجوها لا تزال على قيد الحياة ممن أبدعوا فأهملتهم ماكينات الاعلام وتنكّر لهم الجميع... وذلك حتى لا نتّهم بالتمعّش من الأموات وهي موضة فيها الكثير من الانتهازية، إذ كلما مات عبقري الا وكرّمناه بعد أن خذلناه حيّا مثلما قمع أهالي آرل Arles الفرنسية «فان ڤوڤ» ثم أصبحوا الان وجهة سياحيةبفضل أثره الفني العظيم وخاصة لوحاته الخارقة حول هذه المدينة... العقّاد ديناصور فجعنا فيه وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة. هل سبيطلة تاريخ وأصالة فقط، ماذا عن المستقبل؟ «سبيطلة تاريخ وأصالة» هو العنوان الخانق الذي استفزّنا فاجتهدنا كي نبعث هذا المهرجان... ربيع سبيطلة لا يقتصر احتفاؤه على تمجيد الاعمدة وقوس النصر والمعابد الثلاثة وانما يرنو الى أن يشد على أيادي مبدعي المدينة حتى لا تتغلب أحجار سبيطلة على أناسها. تكريم الموروث الحضاري جوهري في العمل الثقافي لكن لا يجب أن يعلّب مدننا التاريخية في زنازين البطاقات البريدية التي قلّما وندر وأن اعتنت بالبشر. كان جاك برال «ضيفا» علىمدينة سبيطلة وولاية القصرين، فهل تنوون ترك المبادرة في الارشيف أم أنه أحد وجوه المستقبل؟ جاك برال أصبح يزور سبيطلة في كل الاوقات لأنها أصبحت أول مدينة تونسية وعربية تحيي ذكراه بانتظام حتى أن ابنته فرانس برال راسلتنا وشكرتنا فشكرناها بدورنا على اعتنائها بتراث والدها... سبيطلة وإن نسيت فهي لا تنسى. مازلنا نحاول أن نعرف سبيطلة في خارطة التحولات التي تشهدها مدن في العالم، وهل سبيطلة مدينة عالمية؟ سبيطلة كانت من أكبر المدن الرومانية في شمال افريقيا ثم اضحت عاصمة بيزنطية في بلاد المغرب فكانت بوابة كبرى للفتح العربي الاسلامي بشمال افريقيا وهي التي كانت بمثابة كواليس حلول الحضارة العربية في شمال افريقيا والمتوسط... هذا ما يعني أنها ذات ذاكرة عظمى... والاشكال يكمن في حاضرها وغدها وهنا يأتي دور أبنائها نحن والاجيال اللاحقة حتى تتبوأ مدينتنا المكانة التي تستحق وتتخلص من لقب «القلعة المنسية» المقيت... سبيطلة تراث عالمي حتى وإن لم تسجلها اليونسكو في دفاترها لأن سبيطلة عمرها 21 قرنا واليونسكو تجاوزت منذ أسابيع عتبة نصف القرن. لمن مهرجان ربيع سبيطلة ومن «إخوة» المهرجان؟ مهرجان ربيع سبيطلة الى أبنائها وعشّاقها وأحجارها وتلالها وحلفائها ومقتلعات حلفائها واخوة المهرجان هم هؤلاء الذين آمنوا به منذ دورته الاولى ودعّموه بتلقائية الكبار. أنت رجل ثقافة مجتهد وشاعر بارع لمن لغتك العربيةولمن لغتك الفرنسية؟ لا يوجد حاجز بين اللغتين فلهما الوظيفة وان كان عطر العربية أشد فتنة. هما لغتان تنشدان نفس القصة. من هذا الموقع وجّه نشيدا الى سبيطلة وأهل تونس؟ أنا دجلي أنني أهتف «جاءفصل الربيع» / أنا خجلي أخضر، أسود / إليكم هذا الربيع يدندن شوقا لكم / فهاتوا محابركم أفرغوها على شيب قلبي / وصنعي الشنيع/.