«ديمونة في خطر» .. هكذا اختارت كبرى الصحف الاسرائيلية التعليق على إدراج مناقشة الملف النووي الاسرائيلي في جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية في دورتها المقبلة. استنفرت تل أبيب قواها الإعلامية والسياسية والديبلوماسية للحيلولة دون اجراء هذا النقاش في أحسن الأحوال او لتحويله الى «حوار شكلي» يتطرق الى السياقات الأمنية «الخطيرة» التي تلف بإسرائيل والتي تضطرها الى التسلح بأقوى أنواع الأسلحة النووية والبيولوجية والجرثومية وبالتالي يستحيل «طلب التفسير» الى «تحليل وتبرير». الى حد اللحظة لم تقو اسرائيل على تفسير ما هو أبعد من مجرد لفت انتباه الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذلك انها عجزت الى حد الآن عن بيان أسباب قصورها في اكتشاف الخبر قبل الوصول الى وكالات الأنباء. بما في ذلك من فشل استخباراتي صهيوني كبير في استيقاء المعلومة قبل نشرها. ثاني مظاهر الضبابية الاسرائيلية كامن في الجهد الديبلوماسي المصري المحموم في اعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وهو طرح لا يستثني أيا من البرامج النووية الواعدة منها والقائمة في المنطقة اضافة الى انه غير مرتبط لا «من قريب ولا من بعيد باتفاقيات ومعاهدات السلام مع تل أبيب باعتبار ان القاهرة ترى في البرامج النووية عامة خطرا يتهدد أمن الشرق الأوسط برمته وقد يتجاوزه ايضا. ولئن سلمنا ب «شمولية» الخطر النووي فإن المتابع للشأن «المصري الإسرائيلي» يلاحظ وجود توتر طارئ على العلاقة بين الطرفين قوامه عبث تل أبيب بحصة القاهرة من مياه النيل وتحريض دول المنبع على اعلان رفضها لتقسيم الحصص القديمة الأمر الذي ردت عليه الخارجية المصرية بالتهديد بقطع امدادات الغاز الطبيعي لإسرائيل .. في هذه النقطة بالذات تشير أكثر التحاليل رصدا للواقع أن القاهرة اختارت الرد على المس بمياه النيل ب «النيل» من قدسية البرنامج النووي الإسرائيلي. ثالث أشكال الحيرة الإسرائيلية ماثل في عدم استيعابها للتحول الطارئ على المقاربة النووية للدول الكبرى. ذلك ان تل أبيب ومن ورائها واشنطن استنفرت وزنها الديبلوماسي وثقلها السياسي لتكوين «كتلة دولية» تفرض حصارا غاشما على طهران وتهددها في ذات الوقت بضربة عسكرية تقوض مساعيها النووية. بيد أنه ما لم تضعه اسرائيل في حسبانها .. حصل أو بالكاد .. فالتكتل لكي يكون له حد أدنى من المصداقية الدولية والداخلية لا بد أن ينأى ولو قليلا عن لغة المحاباة .. وهو الذي أدى بالقوى الكبرى الخمس الى قبول طلب الوكالة الذرية بادارج الملف النووي الاسرائيلي قيد الدرس. بهذا المنطق .. تكون تل أبيب قد شكلت تكتلا دوليا من «أجل محاسبتها هي» .. عملا بالمثل العربي القديم من حفر جبا لعدوه وقع فيه. وقد تزداد الصورة وضوحا في حال قبلت طهران الاقتراح البرازيلي او التركي للتبادل النووي ليتجه هذا التكتل وبالكامل للملف النووي الاسرائيلي. وبمعزل عن نهايات الخطوة الدولية او عن حقيقتها وفق التوازنات الدولية فإن المسلمة السياسية المستقاة من الراهن السياسي العالمي متمثلة في أن «قدسية» إسرائيل و «علوية» ملفاتها الداخلية آخذة في السقوط والأفول .. ليس بأيدينا فقط.. وانما بأيدي بناتها وبمعاول مؤسسيها.