لقد اهتمت مجلة الأحوال الشخصية بميراث البنت وتناولت ميراثها في عدد من الفصول وخاصة الفصل 143 مكرر الذي جاء بما يسمى بقاعدة الرد «الخاص» للبنت وبنت الابن الذي يعتبر مكسبا هاما للمرأة التونسية ضمن عدة مكاسب تهدف الى حماية حقها في الملكية وتدعيم مكانتها الاجتماعية. ويتخذ ميراثها الحالات التالية: أولا: ترث بالفرض عند عدم وجود من يعصبها وهو ابن المتوفى المساوي لها في الدرجة فلها نصف تركة مورثها (أب أو أم) إذا كانت واحدة والثلثين إذا كانت أكثر من واحدة (اي بنتان فأكثر للمتوفى) وذلك طبقا للفصل 103 من مجلة الأحوال الشخصية. ثانيا: ترث بالتعصيب (أي بدون تقدير) اذا كان معها ابن المتوفى، فإن لها نصف نصيب أخيها فيما تبقى من التركة بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم ولا فرق في ذلك سواء أكانت البنت واحدة أو أكثر مع ابن واحد او اكثر عملا بالفصل 119 من مجلة الأحوال الشخصية. ثالثا: ترث بما يسمى «بالرد الخاص» وهي الحالة التي توجد فيها البنت مع الأخوة والعمومة وصندوق الدولة وعدم الفرع الوارث الذكر وعدم الأصل الوارث الذكر ولم تستغرق الفروض التركة. فعندها تأخذ البنت فرضها ويرد الباقي من التركة عليها بعد حجب الورثة بالتعصيب بالنفس الذين كان لهم نصيب من التركة قبل صدور قانون 19 جوان 1959 وأصبحوا بموجبه غير وارثين حسب ما ورد بالفصل 143 مكرر الفقرة الثانية. والمقصود من الوارث بالتعصيب بالنفس هو من يرث جميع التركة اذا انفرد، ويأخذ ما بقي اذا كان معه صاحب فرض او اكثر ولا يرث شيئا لعدم وجود فاضل اذا استغرقت الفروض التركة، وهؤلاء الورثة هم: الأخ الشقيق أو لأب وابن الأخ الشقيق او لأب والعم الشقيق او لأب وابن العم الشقيق او لأب. إن الفقرة الثانية من الفصل 143 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية المتعلقة بالردّ «الخاص» تظل مصدر تساؤل حول النقاط التالية: أولا: يتمثل التساؤل الاول حول الخلاف في تأويل كلمة الأخوة تأويلا واسعا أم ضيقا. لما حذف المشروع العاصب بالنفس الذين ذكرتهم الفقرة الثانية فإن التساؤل يحوم حول ميراث الأخت الشقيقة او لأب مع البنت او بنت الابن بصفتها عاصبة مع الغير (اي مع البنت) خاصة وأن الفقرة تنص صراحة على حرمان العاصب بالنفس من الاخوة والعمومة وصندوق الدولة ولا تتعرض للعاصب مع الغير المتمثل في الأخت شقيقة او لأب مع البنت. ثانيا: وهي الحالة التي توجد فيها بنت مع أصحاب فروض فقط وعدم الفرع الوارث الذكر وعدم الأب وعدم الجد ولم تستغرق الفروض التركة. فهل يرد باقي التركة على جميع أصحاب الفروض بنسبة فروضهم مثلما هو الحال بالنسبة للفقرة الأولى من الفصل 143 مكرر المذكور ام يرد على البنت دون بقية أصحاب الفروض؟ ثالثا: يبقى ان نشير الى انه اذا اجتمعت البنت مع بنت الابن في ميراث واحد، فبعد اخذ البنت فرضها وهو النصف وأخذ بنت الابن فرضها وهو السدس فلمن سيرد الباقي سواء للبنت دون بنت الابن او عليهما بنسبة فرضيهما؟ وبالاعتماد على قواعد التأويل المنطقي والقياس يمكن القول انه اذا حجبت البنت العاصب بنفسه كالأخ او العم وحرمته من الميراث (وهي أقوى درجات التعصيب) فمن باب اولى وأحرى حرمان الأخت شقيقة او لأب باعتبارها عاصبة مع الغير (اي مع البنت) وبالتالي أصبح الفرع الوارث الأنثى يحجب حجب حرمان جميع الاخوة أشقاء او لأب ذكورا وإناثا وأبناء الاخوة الذكور والأعمام أشقاء او لأب وأبناؤهم الذكور ويترتب عن هذا الحجب ان تأخذ البنت نصيب من حجبتهم. أما عند اجتماع البنت مع بنت الابن او مع اصحاب فروض فقط في ميراث واحد دون الأب والجد فإن الغموض مازال يشوب حول هذه المسألة. ولعل الرأي الذي يتماشى مع المنطق هو الرد على البنت دون غيرها. هذا الطرح يعكس وجهة نظر شخصية تستند الى دلالات قد تبدو لدى البعض معقدة من حيث التطبيق لكن التعمق فيها أمر بديهي طالما انها تتضمن معطيات دقيقة تبقى محل دراسة من قبل أهل الاختصاص علهم يتوصلوا الى إيجاد حلول تكون بمثابة القاعدة العلمية والموضوعية لمراجعة وتعديل فصول محددة تتعلق بالميراث لإضفاء مزيد من النجاعة على مستوى التطبيق ضمانا لحقوق الغير. المراجع: مجلة الأحوال الشخصية أحكام المواريث في القانون التونسي، فرج القصير، دار الميزان للنشر، سوسة 2001 لباب الفرائض، الشيخ محمد الصادق الشطي، دار الغرب الاسلامي، بيروت، لبنان 1988 أحكام المواريث في الشريعة والقانون (حسين بن سليمة) 1998. * بقلم: توفيق الشرادي رئيس مصلحة بإدارة الملكية العقارية