استضاف نادي «محاورات» في دار الثقافة ابن رشيق الأسبوع الماضي الكاتب المسرحي والروائي عزالدين المدني في حديث حول مسيرته الروائية والمسرحية والقصصية وكانت هذه أبرز الأفكار الواردة في حديثه المثير. بدأ المدني حديثه باستحضار سيرة «كاف» ابن رشيق قائلا: «هذا المكان كان فضاءا ممتاز للحوار وله تاريخ طويل في هذا المجال، كان يستضيف كتابا وفنانين تشكيليين ومسرحيين وسينمائيين وإعلاميين أيضا وناشرين وأرجو أن يستعيد الكتاب تدريجيا أنفاسه وأتمنى أيضا أن تهتم التلفزة التونسية أكثر بالكتاب»، وتطرق في حديثه لعلي الدوعاجي ونادي القصة «فيما يتعلق بعلي الدوعاجي بدأ اهتمامي به بعد تكوين نادي القصة سنة 1964 وانطلاق أنشطته في 1966 وتكوين مجموعة مجلة قصص برئاسة المرحوم محمد العروسي المطوي إذ كان ضمن المشروع إيجاد أسس لأدب تونسي جديد هذه كانت قضيتنا الأساسية إذ كنّا نعرف الأدب المصري والأدب اللبناني الذي درسناه في الصادقية ولم نكن نعرف الأدب التونسي جيدا. كنّا نعرف البشير خريف ومنور صمادح ومصطفى خريف ومحمد فريد غازي وآخرين عرفناهم في النوادي التي كانت مفتوحة للجميع، لكن لم نكن نعرف أنّ هناك أدباء تونسيين كبار مثل الدوعاجي الذي كان فريد غازي يقول لي عنه أنه تونسي وكتب قصصا مهمّة جدا يتحدث فيها عن الروح التونسية والمجتمع التونسي بكثير من الذكاء والفطنة والنزاهة الفكرية والسمو وكنت لا أصدقه كثيرا لأنه كان متعصبا للأدب التونسي وكان لا يحتمل المناقشة في هذا المجال. كان صديقا حميما وكانت بيننا صداقة وطيدة ثم توفي سنة 1962 في سن مبكّرة جدّا وبعدها ومع تأسيس نادي القصة بدأنا نبحث عن الذين سبقونا من الذين يكتبون الرواية والمسرحية وفنون السرد لم نكن نعرفهم فبدأنا نبحث عنهم في الصحف القديمة مثلا «الزهرة»، و«الوزير»، و«المشير» و«النهضة» وصحف أخرى. إلى يومنا هذا أحتفظ بنسخ من «الشباب» لبيرم التونسي و«السرور» لعلي الدوعاجي وغير ذلك. حاولنا أن نقدم هؤلاء الأشخاص للقرّاء مثلا اكتشفنا أول رواية تونسية في بداية القرن العشرين وهذا شيء مهم جدّا، وجدنا أيضا أنّ أول مسرحية باللغة العربية كتبها محمد الجعايبي وهو زعيم من زعماء الصحافة الوطنية الحرّة والأستاذ الهادي العبيدي الذي كان إعلاميا ومسرحيا وقد وجدت أنّ أول مسرحية كتبها تونسي وقدّمت أمام الجمهور بأداء عربي كتبها الجعايبي ووجدنا الجلولي وابن شعبان وآخرين، لم يكن هنا نشر في تونس كان نشرا رديئا لهواة الى أن وصلنا الى الأربعينات فوجدنا «الثريا» و«الأسبوع» وعناوين أخرى وجدنا أن نورالدين بن محمود صاحب «الأسبوع» كان يعيد نشر قصائد الشابي مثلا لأنّ قصيدة «إرادة الحياة» للشابي كانت ممنوعة من الاستعمار الفرنسي والفقهاء. تدريجيا أصبح لنا رصيدا في هذا المجال فألّف زميلي في نادي القصة المرحوم محمد صالح الجابري كتابه عن روّاد القصة التونسية، ولكنني تكاسلت عن نشر ما جمعته من معلومات وألّفت فيما بعد مع محمد السقانجي رحمه اللّه كتابا عن رواد التأليف المسرحي من أول القرن الى الخمسينات وأرجو أن ينهي الدكتور محمد المديوني المشروع بنشر دليل الكتاب في النصف الثاني من القرن العشرين. هناك من كتبوا كثيرا ولم يلتفت إليهم أحد مثل محمد المرزوقي وهذا شيء مؤسف..! وتحدّث عزالدين المدني عن مساهمته في جمع الرصيد التونسي في المسرح والقصة والروّاد الذين فتحوا له الباب. «الرصيد التونسي لم أجمعه وحدي بل ساهم فيه عدد كبير من الكتاب الروّاد كانوا تحت تأثير المصلحين مثل خير الدين باشا والجنرال حسين وأحمد ابن أبي الضياف وبيرم الخامس هؤلاء هم الرواد الكبار الذين فتحوا لنا الدروب في 1890 بدأ دور المصلحين في كتاب خير الدين باشا مثلا هناك حديث عن شكسبير ودانتي.. تونس كانت تخيم عليها سحب من الجهل بسبب البايات وأشياء أخرى وانتبهنا أن التونسيين لا يحتفظون بالأرشيف وهذه مأساة». وقال عن الدوعاجي: «.. الدوعاجي توفي سنة 1949 وهو مولود سنة 1909 كتب للمسرح والقصة والاذاعة.. وهو لا يملك أي شهادة حتى الابتدائية، والدته وجّهته للعناية بالتجارة لأنه من عائلة تمتهن التجارة من الطبقة البرجوازية، علي الدوعاجي دفع من مال أسرته 27 ألف فرنك آنذاك من أجل السفر وكان جدّه «قايد» في جربة وكانت عائلته تملك أراض شاسعة في قرقنة. تعلم التجارة وعرف اهتمامات الناس، وقد حدّثني البشير خريف الذي كان بدوره تاجر أقمشة أنهم عرفوا ذوق التونسيات وهذا سرّ معرفة الدوعاجي بالمرأة التونسية رغم أنه لم يتزوج ونكتشف إلمامه بتفاصيل النساء في مسرحياته الاذاعية إذ كتب 163 مسرحية وأسس أول فرقة مسرحية إذاعية في الإذاعة الوطنية التونسية عام 1944 أو 1945. علي الدوعاجي كان من الأوائل الذين كتبوا القصّة الفنيّة بأتمّ معنى الكلمة وكانت له ثقافة عربية ولم يكن يحبّ الكتاب المصريين مثل محمود تيمور وكانت له آراء مكتوبة في الثريا سنة 1945 ضدّ محمود تيمول وهي من أجمل ما نقرأ في النقد وهو نقد هادئ بلا استفزاز. كان له اطلاع على الأدب الفرنسي وكان يكتب بالفرنسية بشكل جيد». أما عن علاقته بالمخرجين فقال: «تعاملت مع مخرجين متعدّدين مثل علي بن عيّاد وحمّادي المزّي ومنصف السويسي ومحمد كوكة وآخرين وكتبت عددا لا بأس به من المسرحيات للطيب الصديقي والشريف خزندار ومع مخرجين من مصر أيضا. عندما أكتب لا أقوم بتحقيق سياسي أو ريبورتاج صحفي هناك فرقا كبيرا بين الابداع والكتابة الاستفزازية، البعض لا يفهم العلاقة بين السياسة والابداع في «ثورة صاحب الحمار» مثلا تحدّثت عن الثورات التي تُقام بالنوايا الحسنة فتفشل وهذه من أزمات العالم الثالث. أو في «الزنج»، التي وصلتني طلبات من غواتيمالا وافريقيا والخليج العربي لاعادة تقديمها. في «الحلاّج»، أيضا عانيت من التأويل، كنّا سنقدمها في مهرجان قرطاج الدولي، لكن قوات الأمن جمعت الكتاب ومنعت العرض في أواخر السبعينات. الآن بعض الذين قمعوني في العهد السابق يقدمون أنفسهم على أنهم كانوا حماة حريّة، انعدام كامل للحياء!. «على البحر الوافر»، أيضا عانت المنع في العهد السابق، فانتقلت الى المغرب ومصر ثم عدت مع حمادي المزّي ومنصف السويسي والآن أعمل بين تونس ومصر»، وقال عن مجموعة المسرح الجديد: «موجة المسرح الجديد، قامت على نبذ اللغة العربية، أنا مثلا لا أجيد الكتابة إلاّ بالعربية ثم قالوا أنّ كل ممثل أو تقني يمكن أن يكتب للمسرح، لذلك تراجع مستوى النص المسرحي أحيانا تجد فقرات قصيرة مهمة في نصوص تافهة. وتزامن هذا مع الانكار على العرب قدرتهم على الكتابة المسرحية حتى المصريين بمن فيهم ألفريد فرج أو محمود دياب! وهذا من أخطاء المسرح الجديد القاتلة والخطأ الثاني هو اختزال التجربة المسرحية العالمية في بريشت إذ تجاهلوا كل الكتاب الآخرين مثل تينزي وليامز وإبسن وجان جينيه.. وهكذا أغلقت الأبواب على نمط واحد من المسرح بريشت شكسبير وموليير! الذين يعملون على بريشت أفلسوا». وأشار المدني الى اهتماماته بالرسم «عشت مع الرّسامين سنوات طويلة مثل نجيب بلخوجة وزبير التركي رحمهما اللّه وقد صدر لي كتاب جديد عن زبير التركي وهناك كتاب ثان حول مسيرة زبير التركي وحاتم المكي أيضا جمعتني به صداقة عميقة وكذلك الصادق قمش، وخلافا لهذا لي كتاب عن المعمار وكتاب عن تهيئة المدينة العربية القديمة وهو كتاب فني صدر في فرنسا. أنا مولع بالرسم من الجانب النظري كما ترجمت بول كلي في مذكّراته في تونس وأنا مولع أيضا بالسينما ترجمت من السينما الأمريكية مثلا كتاب عن المونتاج وعملت مع الفنان المقدميني وهو رسام تونسي كبير يعيش في لوزان كما نشرت «كتالوغ» عن علي عبيد رسام الكاركاتير الشهير لماذا هذا الاهتمام بالفنون التشكيلية؟ أعتقد لأنّ الكتابة تصبّ في كل شيء». أما عن مشاريعه التي لم تنشر فقال: «لي أربع روايات جديدة ومجموعات قصصية لم تنشر كما اهتممت بالفلسفة، فترجمت لكل الفلاسفة الذين سبقوا سقراط. لكن المسرح يبقى حجر الزاوية أنا كتبت ثلاثين مسرحية المعروف منها 19 أو 20 فقط البقية سيكتشفها الجمهور في المستقبل وسأنشر في جويلية الجزء الثالث من أعمالي المسرحية فيه «قرطاج» و«على البحر الوافر» و«السيرة الرشيدية» وسيكون هذا الجزء في 400 صفحة. وأنا الآن بصدد كتابه ثلاث مسرحيات وأرجو أن تقدّم للجمهور لأنني لا أكتب مسرحيات للرفوف». واستحضر عزالدين المدني بعض المشاريع التي لم ينجح في تقديمها. «عندما كنت مديرا لمركز الحمامات الدولي حاولت أن أستقدم معرضا لبيكاسو، لكن واجهت معارضة كبيرة من المسؤولين آنذاك للأسف. كنت دائما أحاول فتح الأبواب وحاولت أيضا تقديم أشعار كلودال في عمل مسرحي لكن بلا جدوى، العقلية للأسف غارقة في الجهل، فكيف يمكن أن تتواصل القصة والمسرح والسينما في غياب المبادرة».