إضراب ب 3 أيام في قطاع النقل البري للمسافرين    وزارة الفلاحة تحذّر    الكاف : حصيلة جيدة في موسم الحصاد    تكوين المراقبين الاقتصاديين    وزارة الصناعة تصادق على تأسيس امتياز المحروقات «عزيزة» لفترة 15 عاما    سليانة: إشتعال بعض الجيوب النّارية بجبل بلوطة وتوسع رقعة الحريق    الاضطرابات الجوية: وضع جميع مناطق البلاد في درجة يقظة "صفراء"    هيئة مهرجان تطاوين تقاضي الفنان A.L.A ...وأنباء عن ايقافه    في الذكرى 68 لإعلان الجمهورية: محطات سياسية مفصلية رافقت هذا التاريخ الرمزي في تاريخ تونس    "القوّالة" لحاتم الفرشيشي: عرض صوفي يُزهر في رباط المنستير    مباراة ودية: النادي البنزرتي ينهزم أمام الأهلي المصري بخماسية نظيفة    تونس – زيارة تفقدية لوزير الصحة لمستشفى الرابطة    تطاوين: الديوان الوطني للأعلاف يعلن عن أسعار تفاضلية للأعلاف الخشنة لفائدة مربي الماشية بالجهة    النادي الصفاقسي - تربص تحضيري بسوسة الى غاية 1 أوت المقبل    الكرة الطائرة – كأس العالم تحت 19 سنة: على أي قناة وفي أي وقت يمكنك مشاهدة مباراة تونس وإيران ؟    مدنين: جلسة عمل للمصادقة على المخطط الجهوي للتنمية    تونس – الطقس: عواصف رعدية مصحوبة بأمطار في الشمال والوسط    دعوة للتسجيل للمشاركة بحرا في كسر الحصار على غزة    حرائق جبل منصور تمتد إلى الفحص: 200 هكتار بالمنطقة الغابية تليل الصالحي تلتهمها النيران    ترامب: إطلاق الرهائن صعب وحماس تعرف ماذا سيحدث بعد استعادتهم.. سنقضي عليهم وهم يريدون الموت    جامعة النقل تقر إضرابا ب3 أيام في قطاع النّقل البري للمسافرين    البطولة العربية لكرة السلة: المنتخب التونسي ينهزم أمام نظيره الجزائري 81-86    الأولمبي الباجي يكشف عن قيمة الديون المتخلدة بذمته    أحزاب سياسية تقيم مسار 25 جويلية وتباين في المواقف    محرز الغنوشي: ''الإيجابي انو الليلة تسكت المكيفات بالشمال والمرتفعات''    ترقد أكثر من 9 ساعات؟ صحتك في خطر    جريمة شنيعة: شاب ينهي حياة والده المسن..    عاجل/ تطور نسق بيع السيارات الشعبية في تونس..وهذه الماركات الأكثر رواجا..    عاجل/ تنبيه للمواطنين: تغيير في حركة جولان (قطار ت.ج.م)..وهذه التفاصيل    زغوان: السيطرة الكاملة على حريق مصنع الملايس المستعملة بجبل الوسط    مهرجان العنب بقرمبالية في دورته ال63 من 9 إلى 24 أوت 2025    حاجب العيون: إفتتاح الدورة الاولى للمهرجان الصيفي بالشواشي    عاجل/ وفاة هذا النقابي باتحاد الشغل..    الدخول في ''أوسو'' اليوم: مرحلة مهمة في حياة الفلاح التونسي    عاجل/ تنبيه: حرارة مرتفعة..رياح قويّة جدّا والبحر هائج والسباحة ممنوعة..    خاص: نجم المتلوي يتعاقد مع زياد بن سالم    إنتقالات: مهاجم رواندي يعزز صفوف الترجي الجرجيسي    عاجل: تفاصيل بيع تذاكر المباراة الفاصلة للكأس الممتازة بين الاتحاد الرياضي المنستيري الملعب التونسي    أمريكا ترفض خطة ماكرون للاعتراف بالدولة الفلسطينية    السفارة الأمريكية تهنئ تونس بذكرى إعلان الجمهورية..    غياب مغني الراب A.L.A عن مهرجان تطاوين يُثير استياء الجمهور    اليوم الجمعة.. الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا…    شهر صفر يبدأ السبت.. شنو هو؟ وهل لازم نصومو فيه؟    عاجل/ آخر مستجدات حريق جبل الدولاب بالقصرين…    بحر متموّج ورياح قوية.. ردّ بالك من السباحة آخر النهار!    دون الاستغناء عن السكر أو الحليب: هكذا تجعل قهوتك أكثر صحة كل صباح    ريحة الكلور في البيسين: نظافة ولا خطر؟    الجمعة الأخطر: آخر يوم من موجة الحرّ في تونس وتحذيرات عاجلة للمواطنين    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    بعد أكثر من 40 عاما خلف القضبان.. جورج عبد الله يغادر سجنه في فرنسا إلى بيروت    ولايتا القيروان وتوزر سجلتا اعلي درجات حرارة الخميس بلغت مستوى 48 درجة    محرز الغنوشي: ''اليوم آخر نهار في موجة الحر''    الفنان الأردني سيلاوي على ركح مسرح الحمامات الدولي في دورته 59.    بعد غد السبت.. مفتتح شهر صفر 1447 هجري    مع ارتفاع درجات الحرارة...أفضل الصدقات صدقة الماء    خطبة الجمعة...الحياء شعبة من الإيمان    قابس: نحو النهوض بالقطاع السياحي وأستغلال مقوماته الاستغلال الأمثل    موجة حر شديدة وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي: احمي نفسك وأحبائك من الحرارة القاتلة دون مكيف بهذه الخطوات..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشائيات:على هدير البوسطة
نشر في الشروق يوم 14 - 05 - 2010

على هدير البوسطة، التي كانت ناقلتنا من تونس العاصمة لمدينة مدنين، تذكرت عيون كل من أحببت، وتذكرت كلمات قارسيا لوركا وهو ذاهب الى حتمه، ما أبعد الطريق الى قرطبة، وما أبعد الطريق الى مدنين. في البوسطة، الحافلة الصغيرة رغم عدد كراسيها، أصغر بكثير من أجسام ركابها , واحد يأكل «موز»، والآخر يدخن سيجارة. والجميلات يشتكين قساوة الكراسي وتظلم أجسادهن الناعمة. ارتكن ناجي زاوية جانب باب الحافلة أرضا ليدخن سيجارة. سرح بعيدا يحلم بابنته القادمة بعد أشهر قريبة، أماني كعادتها تستحوذ على أكبر مساحة من الاهتمام، كوثر صامتة و بعد مدة قصيرة استسلمت للتعب ونامت. الجميلتان هيفاء وايمان من معهد الصحافة، في أحاديث متقاطعة لا تشتكيان. البنات والشباب من معهد السينما وشباب الفرقة الراقصة التي ستفتح المهرجان في حوارات لا تنتهي.
وأنا؟.. مسكينة أنا، لم أنم منذ أربعة وعشرين ساعة، كان لا بد أن أكمل كتاباتي حتى أستطيع أن أبتعد عن العاصمة لمدة أسبوع، وكأنني أطلس اله الكون أخشى أن يتوقف العالم بدوني. «ذهب أطلس الذي يحمل الكون على كتفيه، الى زوس اله الآلهة، وقال له» لقد حدث بالأمس حدث رهيب تركني في ذهول , وقع الكون من يدي. فسأله زوس، وماذا جرى عندما تركت الكون يسقط من يدك، أجابه أطلس، في الحقيقة لا شيء, ومن هنا عجبي. هذه أنا كأطلس أعتقد أن الأرض ستقف عن الدوران ان توقفت أنا عن العمل.
رافقتنا الشمس وبالحاح مسافة طويلة من الطريق. ثم خجولة وآسفة قررت أن تتركنا، أصبح ثوبها مزيجا من الوردي والأرجواني والبنفسجي، جمال لا يمكن لقلمي أن يعبر عنه، روعة غياب الشمس في الجنوب يفوق القدرة على الوصف. ايه يا شمس، أين ستذهبين الليلة؟ هل ستلتقين بحبيب؟ ها أنت ترحلين.. دون أن تتعرفي علي، ترحلين حاملة كل وقائع الواقع المستحيل.
اجتزنا صفاقس ليلا، كان دليلنا الأسعد بن حسين ابن قابس، كلما اقتربنا من أضواء أعلن: هذه الصخيرة. حتى صار ناجي يعلن الأضواء: وهذه صخيرة أخرى. بعد أن مررنا على « عدة صخيرات».
وصلنا لغنوش، حاليا تعتبر أهم مدينة كيمياوية في افريقيا، والثالثة في العالم. أصبح لمصطلح «كيمياوي» صدى سلبي نوعا ما. وأصل تسمية غنوش، أن الرجال عندما يذهبون للصيد في البحر، تغني النساء عند عودتهم، ومعنى هذا أن الصيد كان خصبا، فتسال نساء القرية: غنوش؟ اذا ما غنوش معنى ذلك أن البحر كان شحيحا.
وأعلن الأسعد أخيرا: من هنا تبدأ قابس، وكانه يعلن من هنا يبدأ العالم. فقابس عالمه، دخلنا حومة الأسعد (بولبابة ) حيث ينتظر شقيقه الحافلة ليسلمه ما أرسلته والدته لعشائه، فقد اتصل بها هاتفيا من أول الطريق سائلا: «شنو عشاكم» وأكد «نحب خبز طابونة».
أغمض عيني حتى لا تهرب منها الصور، من حولي الأصوات، أزيز لا ينقطع، تبتعد.. تبتعد. وكأنها صدى، وأبحر في موجة من الأحلام.. فتحت عيني خلسة، أمامي زميلي الشاب وسام. اكتشفته أثناء الرحلة، وسيم أنيق، متخلق، لطيف، ودمه خفيف. دخل قلبي وكأنه أخي الصغير. ولم لا فنحن أبناء الشروق. صوت وسام جميل، وان كان يغني أغنيات متقاطعة، لا يكمل ولا أغنية. أستمع اليه من عالم حلمي « آه يا حلو يا مسليني».
وصلنا «مارث» المدينة التي انطلقت منها الحرب العالمية الثانية. ومشيت الحافلة.. مشيت.. مشيت.. مشيت. الى أن وصلنا الى لافتة: « مدنين ترحب بكم» الساعة العاشرة والنصف ليلا، طلعنا من تونس الثانية بعد الظهر، أعلن وسام مازحا «نحن الآن في الصخيرة» مهما طالت الطريق،، هناك نهاية، ومحطة للوصول.
تستيقظ كوثر فجأة من صمتها، ومن النوم، وتطلب أغنية فيها حب. فتغني أماني «أرجع تاني وأقلك ريحني الله يخليك، عشان المركب».. ويغني وسام «أوقاتي بتحلو.. بتحلو معاك».. مهرجان الأغنية الشبابية.
حدثنا الأسعد عن ذكرياته عندما كان يحمل السمك من ليبيا الى معمل في المنستير، ويمر من هذه الطريق. لماذا ليبيا؟ لأن السمك جيد وأقل سعرا, ومتوفر بكثرة, روائي بياع سمك.
وصلنا حقا ونزلنا من الحافلة، واستقبلنا مدير المهرجان الذي دعانا، غاية في اللطف، ما زالوا ينتظروننا للعشاء، رغم الساعة المتأخرة. يصالحني هذا اللقاء مع الجنوب، بعد آخر لقاء ثقافي ذهبت اليه , وقررت عدم العودة، وعدم قبول أي دعوة مهما كانت الأسباب. لكن والحمد لله، ما زال هناك من حافظ على أخلاق أهل الجنوب وكرمهم.
كانت الاقامة في مكان بعيد عن المدينة، لكنه رائع. معهد المناطق القاحلة، وسأكتب عنه قريبا، من أهم الانجازات في تونس. وهناك استقبلنا واهتم بنا شاب لطيف جدا.. جدا مروان الوحيشي. كل شيء كان جميلا ذاك الأسبوع. خاصة صداقتنا نحن شلة الصحافة، والضيوف الذين تعرفنا عليهم، الناس في الشارع، السائق اللطيف، طويل البال
«عبعاب» مثل بطل ريا وسكينة، هويدا من لجنة المهرجان، الحلاقة التي رفضت أن أدفع لها ترحيبا بي،، كل شي كل شي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.