شنوة صاير في برج شاكير؟ نفايات طبية خطيرة وبحر من المشاكل!    قرارات عاجلة لمجابهة انقطاعات مياه الشرب بهذه الولاية..    ديوان التونسيين بالخارج ينظم الخميس 7 اوت الندوة الاقليمية الثالثة لاصيلي ولايات ولايات القصرين و سليانة القيروان و سوسة والمنستير و المهدية    تصوير الصغار في المهرجانات؟ راهو القانون ما يسمحش ... تبع التفاصيل    عبد السلام ضيف الله: أحمد الجوادي بطل ما لقاش بش يخلّص نزل اقامته بسغافورة    فيديو -حسام بن عزوز :''الموسم السياحي يسير في الطريق الصحيح و هناك ارتفاع إيجابي في الأرقام ''    تأجيل محاكمة طفل يدرس بالمعهد النموذجي بعد استقطابه من تنظيم إرهابي عبر مواقع التواصل    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    عاجل: الكاف يرفع جوائز الشان ل10 ملايين دولار وفما فرصة للتوانسة!    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    خزندار: القبض على عنصر إجرامي خطير متورط في عمليات سطو وسرقة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    عاجل: مناظرة جديدة لانتداب جنود متطوعين بجيش البحر... التفاصيل والتواريخ!    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عاجل: تسقيف أسعار البطاطا والسمك يدخل حيّز التنفيذ    الصولد الصيفي يبدا نهار 7: فرصة للشراء ومشاكل في التطبيق!    تونس تحرز المرتبة الثالثة في النسخة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية بالجزائر ب141 ميدالية    شبهة تلاعب بالتوجيه الجامعي: النيابة العمومية تتعهد بالملف والفرقة المركزية للعوينة تتولى التحقيق    وزير السياحة يعاين جهود دعم النظافة بجزيرة جربة ويتفقد موقعا مبرمجا لاقامة مدينة سياحية ببن قردان    نشطاء إسرائيليون يعرقلون دخول المساعدات إلى غزة    ترامب: الغواصتان النوويتان اللتان أمرت بنشرهما تتموضعان في "المكان المناسب"    بشرى سارة: درجات الحرارة أقل من المعدلات العادية خلال العشرية الأولى من شهر أوت..#خبر_عاجل    عاجل/من بينهم امرأة حامل : غرق 4 أشخاص بشواطئ بنزرت خلال 24 ساعة..    عاجل/ مقتل فنانة خنقا في عملية سطو على منزلها…    مهرجان الحمامات الدولي 2025: "روبين بينيت" تغني للحب والأمل في عرض ينادي بإنسانية الإنسان    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    أول رد لحماس على طلب نتنياهو بشأن "غذاء" الرهائن..#خبر_عاجل    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    حكايات تونسية ...«الماء إلّي ماشي للسدرة.. الزيتونة أولى بيه»    القناوية... فوائد مذهلة في ثمرة بسيطة... اكتشفها    بنزرت الجنوبية.. حاول انقاذ إمرأة من الغرق فَتُوُفّيَ معها    إعفاء كاتب عام بلدية مكثر    مصب «الرحمة» المراقب بمنزل بوزلفة .. 130 عاملا يحتجون وهذه مطالبهم    وسط تحذيرات من ضربة مفاجئة جديدة.. إيران ترفض وقف تخصيب اليورانيوم    أيام قرطاج السينمائية تكرّم الراحل زياد الرّحباني في دورتها المقبلة    العهد مع جمهور الحمامات ...صابر الرباعي... يصنع الحدث    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي    الجوادي بطل العالم في 800 و1500 متر سباحة ... ميلاد أسطورة جديدة    كأس أفريقيا للمحليين... حلم الجزائر في 2025    فيما «البقلاوة» تثور على التحكيم ...الترجي يحرز «السوبر»    واقعة قبلة الساحل تنتهي بودّ: اتصال هاتفي يُنهي الخلاف بين راغب علامة والنقابة    منظمة الصحة العالمية تدعو إلى إدماج الرضاعة الطبيعية ضمن الاستراتيجيات الصحية الوطنية وإلى حظر بدائل حليب الأم    لماذا يجب أن ننتبه لكمية السكر في طعامنا اليومي؟    هكذا سيكون الطقس هذه الليلة    سيدي بوزيد: تضرر المحاصيل الزراعية بسبب تساقط البرد    اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    الملك تشارلز يعرض مروحية الملكة إليزابيث للبيع    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرارات آيار
نشر في الشروق يوم 15 - 05 - 2010

تُخلّف الذكريات الحزينة في تاريخ الشعوب المكلومة ووجدانها الوطني جراح غائرة لا تندمل، لا بمجرد رحيل الغزاة، ولا بأسف من معتد أراق دماء أبنائها يوما وسعى الى تجفيف مجرى الحياة في أوردتها، وصادر الفرح من عيون أطفالها... دنس ثراها واستولى على ترابها الوطني بما فوقه، وبما في جوفه، مخلّفا مرارات وانكسارات تظل لسعة موجعة وغصة في فرح الاجيال، مثلما تظل منجما للأمم والشعوب... منجما من الإلهام للعدالة عقيدة ونظاما وثقافة حيال كل مظلمة على مر الزمان!.
الشعب الفلسطيني ومنذ النكبة الكبرى عام 1948 واجه ولا يزال المأساة في قرن الهزيمة العربي الأكبر منذ وعد بلفور ولا تزال النكبات تعصف بحياته، موجة غريبة تزهق باقة من أبنائه اثر موجة أخرى تحيل رمال وطنه الى كُنس ومستعمرات، وليس بين يدي هذا الشعب سوى الصمود والرسوخ في تربة الوطن والهوية، والإيمان بقوة الحياة وعنفوان الحق، والمراهنة على قوة أخلاقية لا تزال غافية في هذا العالم، ستصحو يوما لتقول كلمتها بل لتفرض كلمتها وعدالتها وتنتصر للشعوب المعذبة... ولكن المقاتلة من وحي هذا العذاب!
الخامس عشر من أيار / ماي يتجدد والمأساة تتجدد...
المشروع الصهيوني لم يتوقف منذ النكبة الكبرى (فحقه في الأرض قائم على حقه في الغزو) كما يقول كتّاب توراتيون من طراز برايت... يزحف حربا تارة (وسلما) تارة أخرى، يزحف خطابا خرافيا مخادعا برغم ارتطام مزاعمه بجدار التاريخ والنقوش والحقائق، وزيف التأويلات الاثرية المستحيلة تارة... يزحف في غفلة من السجود العربي... الى مداراتنا العربية تارة أخرى... يزحف على متن التطهير العرقي ولا تهز عتباته القنابل الصوتية الموسمية حوله خصوصا وغبارها لم ينل من أفران ديمونة ولا من غواصات الدلفين... لم ينل حتى من مواصلة استيطانه في الطريق الى رام ا&... يزحف على كف التلاميذ النجباء لتلك الظاهرة المريضة التي أنجبتها المعادلة الدولية المجحفة والمختلة، (ظاهرة الواقعية) بروحها الصهيونية ورأسها الاستعماري... يزحف على متن مفاوض وحيد في العراء... على متن ملهاة سياسية دائرية عبثية، يزحف على ايقاع جامعة عربية كسيحة لم تعد أكثر من فاصلة في تاريخ هذا الصراع.
الخامس عشر من أيار / ماي، وطن لم يزل محتلا وشعب لم يزل في الشتات...
الخامس عشر واخواته، جراح جديدة على جراح قديمة، دماء جديدة على دماء قديمة، أرض أخرى احتلت في حزيران 1967 وأخرى (هربت) بصمت في اتفاقيات مجحفة لتشكل الجناح الآخر الذي تكرّست بهما (اسرائيل) على منصة الأمم المتحدة (عضوا لم يلتزم يوما بميثاق الأمم المتحدة ولم ينفذ الالتزامات الواردة فيها شرطا للعضوية)...
أرض أخرى تقع بين قرارين دوليين... بين 181 و242 لتغدو (اسرائيل اليوم) طبقا لما يوصف ب (الشرعية الدولية)، أما طبقا (لاسرائيل) ولوبياتها الدوليةوزبائنها في الشرق الاوسط فيضاف اليها كل القدس (وإن طال الزمن والمفاوضات) كما يدلي قراصنتها، وتستمر (يهودا والسامرة) في «نزاع» مع الضفة الغربية، نزاع يمكن تسويته طبقا لهم بكيان في كيان... كيان منزوع الاسنان والاحلام والأرض (وبمن حضر) من سكان!! منزوع العاصمة والأهل من نازحين ولاجئين... منزوع الوحدة الجغرافية أيضا... أو يمكن فرض تسويته المستحيلة طبعا باستنساخ تجربة الهنود الحمر على نهر المسيسبي ومحاولة تطبيقها على أهلنا في الشتات من بيروت وصولا الى المسيسبي أيضا.
الخامس عشر من أيار / ماي 2010، الحياة تمضي بعين واحدة (الحياة مفاوضات)!! أو الحياة (وعظ وتاج)، العين الاخرى تعوم في الماء الأزرق... لا تشاهد جدلية المفاوضات واللبنات الاولى لكنيس الخراب، لا تشاهد القرميد السداسي الاحمر على أطلال بيوت المقدسيين يوما إثر يوم، لا تشاهد دموع البؤساء والفقراء على أغصان الزيتون الذاوية والشاردة مع ذكرياتها القديمة وسيرتها الذاتية، لا تشاهد ما حول مائدة المفاوضات ولا ما تحتها، لا تشاهد الجدار، لا تطل على ما ورّثته الأمم السالفة عن المفاوضات ودروسها ومكتباتها، لا تشاهد زحف المستوطنين على بعد مئات الأمتار من منزل الأخ الرئيس أثناء المفاوضات ولا حواجز القدس الكبرى في قلب رام ا&، وتنسى نظرية ملء الفراغ بالأوهام في الشرق الاوسط ليتفرغ (الوسطاء) لبغداد وكابول وطهران واسلام أباد... ونهايات قضية فلسطين.
الخامس عشر من أيار / ماي 2010 مقاومة سلمية ولكن بلا حجر... بين الانتفاضة والمقاومة السلمية حجر محظور، مقاومة سلمية لا يُشاهد على (راداراتها) تلك الحشود من آلاف الاعضاء في (فصائل) تاريخية قياداتها شاردة الروح مذعورة الوجدان والخطى بعد ان غيّر نهرها مجراه وفقدت فن العوم والتجديف والبوصلة وضاع من قدميها الطريق... مقاومة سلمية... لا بأس ان تكاملت مع الاشكال التي عرّفها ميثاق الأمم المتحدة في مقاومة الاستعمار ولكن وحدها: لا رقصة الفلامنكو تعيد الأندلس ولا القدس يحميها رغيف غنيس...!
الخامس عشر من أيار / ماي في بلدنا ضجة وحول بلدنا هدير وضجة، وبين بلدنا وبلدنا نووي وغزاة ونفايات، من حقنا ان نخاف أكثر على بلدنا كي ندافع عنه أكثر، من حقنا أن نقلق على شعبنا حين تحيل السياسة أحلامنا المورقة الى هشيم، حين ترغم أسراب من طيورنا على مغادرة أعشاشها، حين تُحشر نسورنا في أقفاص الغزاة، وحين يُعلن الغرب عن صندوق مع (الأشقاء العرب) لتوطين أهلنا في الشتات او اغراء ابنائنا وحثّهم على الهجرة كي يصل الفلسطيني الى ضفة الأمازون، وحين تتخلف الحركة الوطنية حتى عن روابط القبيلة بل تكاد تصبح مجموعات قروية على حساب الهوية الوطنية، وحين يحترف الخطباء والوعاظ في هندسة شطرين للعرش وشطرين للدين، وحين يتحول شطر من فلسطين الى (دولتين ومشرقين للشمس)!!
من حقنا ان ندافع عن مصيرنا حين تلتهم السياسة الحلم والأماني، بل حين لا تتكامل السياسة مع الحلم تكامل الديبلوماسية مع الصمود والمحرمات الوطنية وتكامل الوطن مع كل أبنائه.
من حقنا ان لا نلقي الحجر والرمح بعد ان أفلتت (اسرائيل) من العقاب الدولي من صبرا وشاتيلا الى جنين وغزة، ومن حقنا أن ندافع عن بلدنا وعن مشروعنا الوطني مع استمرار الاحتلال والظلم الدولي وحيث لا يجدي ما قاله (القباني):
إن من خلق المأساة ينهيها ... وإن من أشعل النيران يطفيها
خصوصا وليس ثمة من يعرف مذاق الملح أكثر من الجرح!!!
الخامس عشر من أيار / ماي شعب صامد في فرن غاز! وأرض باقية خالدة الهوية خلود الشمس في حضن السماء.
هي ذكرى النكبة، لكن مصائر الشعوب تقررها الانتصارات، والانتصارات تُحلق بجناحي الوحدة والاخلاص للوطن، وشعبنا سيعرف دائما كيف سيواصل التحليق من جديد!!
الخامس عشر من أيار / ماي ذكرى مفعمة بحسرات المسير على درب الآلام من البحر الى خيام تغفو على نقيق الضفادع قرب النهر... وتنام على وتر ينوح على مواويل المشردين من (أندلسهم)... ذكرى البحث عن الشيوخ والأطفال المهجّرين التائهين في درب الشتات من خلال الصليب الاحمر الدولي... ذكرى كانت خسائرها رهيبةوأوجاعها حافزا اخر لكفاح لن يتوقف حتى وإن تعرّض (لكسوف) جزئي او كلي!! ذكرى خلّفت في المخزون النفسي لكل فلسطيني ما يدفعه ليس الى التمسك باستعادة فردوسه فحسب بل الى المثابرة على الظفر بالقصاص الدولي من الغزاة.
إن شمس الحرية باقية في مدارها، باقية تشرق على من أبرمت معهم عقد الوفاء الخالد منذ فجر التاريخ، وأما (المارون بين الكلمات العابرة) فسيرحلون مع الغمامات النحاسية العقيمة العابرة سماءنا والتي لن تقوى على إطفاء شمس الحرية المشرقة لا محالة على أرضنا... أرض فلسطين.
إن حركات التحرير يمكن أن تمنى بالعثرات في (لوثة زمن) ويمكن ان تكسو محطات على دربها الطويل نكسات وكمائن...يمكن ان يطفو على جلدها الذباب الازرق والبعوض... يمكن ان يلتهم ربيعها الجراد، فلكل رحلةعلى الأشواك أخطارها وحساباتها... كما يمكن أيضا اصطدام السفين بجبل الجليد ولكن مادام البحر بحرا فثمة سفن قادمة ستصل الى الشاطئ يوما، ستصل نهاية الرحلة، نهاية أيار وأخواتها وإن طال الابحار والسفر... (فمن يركب البحر لا يخشى من البلل).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.