تتنافس كل من إسرائيل وإيران على ساحات نفوذ جديدة وتسعى كل منهما الى تأمين وجودها في مناطق تعد حيوية بالنسبة الى مصالح كل منهما، في الوقت الذي يسجل فيه العرب تراجعا ملحوظا لانشغالهم في مشاكلهم الداخلية. وبحسب دراسة حديثة يحتدم الصراع حاليا بين تل أبيب وطهران على افريقيا، ليأخذ نفوذ كل منهما أشكالا متعددة. واللافت للانتباه أن التغلغل الاسرائيلي في القارة الافريقية أكبر بكثير مما هو معلن، خاصة أن الكيان الصهيوني عمل على عنصر التوترات العرقية والمذهبية في الدول الافريقية، لتمد ذراعه الى حركات التمرد الانفصالية من تمويل بالمال والسلاح الى التخطيط وتدبير المؤامرات. وتقدم اسرائيل نفسها ممولا عسكريا وداعما للمرتزقة فضلا عن نجاحها في عقد اتفاقيات تجارية واقتصادية عزّزت وجودها في أكثر من دولة مثل أوغندا وأثيوبيا. وتشير الدراسة ايضا الى ان تل أبيب استغلت بشكل جيّد مسألة مكافحة الإرهاب لتدخل الى بعض الدول الافريقية المكتوية بنيران التطرف والنزعات الانفصالية عبر بوابة الأمن، فالموساد (جهاز الاستخبارات) قدم معلومات كثيرة للأجهزة الأمنية في دول بعينها، وأصبح (أي الموساد) أكثر نشاطا خاصة في أثيوبيا وأوغندا وكينيا ونيجيريا، ويعمل منذ سنوات على التغلغل في جنوب السودان بربطه علاقات مع حركات التمرد. إيران على الخط وفي المقابل دخلت ايران على خط بسط النفوذ في القارة السمراء معززة علاقات التعاون مع عدد من الدول ونجحت الى حد الآن في فتح مراكز ثقافية في 26 دولة افريقية اضافة الى عشرات المكاتب التجارية. وتعمل طهران أيضا على تنفيذ مشاريع اقتصادية في المنطقة، وعلى سبيل الذكر أقامت طهران في السينغال مصنعا لإنتاج السيارات وتعمل على بناء مصفاة نفط ومصنع آخر للآلات الزراعية، فضلا عن مشاريع تتعلق بالبنية الأساسية (...). وتشير الدراسة في هذا السياق الى السباق الاسرائيلي الإيراني لتأمين النفوذ، حيث قام وزير خارجية الكيان الصهيوني في وقت سابق من العام الحالي بزيارة الى أكثر من دولة افريقية، أعقبها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة مماثلة شملت السينغال ونيجيريا وكينيا. وقدرت صادرات ايران غير النفطية لإفريقيا بنحو 230 مليون دولار عام 2009، فيما بلغت صادرات اسرائيل للقارة السمراء (عام 2009) بنحو 1.6 مليار دولار. وقد اعترف جاك روزين رئيس المؤتمر اليهودي الامريكي بهذا التنافس ضمن سعيه الى حشد تأييد قادة افريقيا لصالح اسرائيل ، ولكنه قال ان اسرائيل والولايات المتحدة لا تأخذان التهديد الذي تمثله ايران في افريقيا بجدية كافية. وقال ل«رويترز» : «لا نريد ان نراها (أفريقيا) تتحول الى تربة خصبة (للمتشددين) لذلك تمثل ايران مشكلة.» وذكرت أحدث دراسة استخباراتية إسرائيلية صادرة عن «مركز معلومات الإرهاب والاستخبارات» التابع لجهاز المخابرات الإسرائيلي للعقيد احتياط رؤفين أرليخ في أوت 2009 أن (المارد الإيراني يتوحَّش في أفريقيا بلا رادع)، وتحدثت عن نشاطات إيرانية في منطقة القرن الأفريقي وتحدثت عن انعكاسات هذا النشاط على الأمن القومي العربي والإسرائيلي ووجوب التحرك السريع لمواجهة هذا النشاط. حيث أشارت الدراسة إلى أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يضع القارة الأفريقية على رأس قائمة أولوياته الخارجية، ويبذل جهودا مضنية من أجل ترسيخ الوجود الإيراني فيها، وذلك عبر التحرك في عدة جبهات وعبر عدة وسائل، وأكدت على أن إيران تبدي اهتماما لافتا للانتباه بالدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر وعلى رأسها السودان، وذلك بهدف التحول إلى قوة عظمى تضاهي القوى الكبرى، وأن طهران تسعى من خلال هذا التحرك إلى تقليص النفوذ الأمريكي والغربي والدفع بالمصالح الاقتصادية في القارة خاصة على ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في دول القارات الأخرى. وبحسب الدراسة، فإن إيران تمتلك عدة وسائل وأدوات لتحقيق أهدافها في افريقيا ومنها ورقة النفط والزراعة وإقامة السدود، وأشارت الدراسة الاستخباراتية الإسرائيلية إلى أن إيران تعمل على ترسيخ وجودها البحري في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، خاصة عبر توطيد العلاقات مع اليمن ودول القارة الافريقية خاصة السودان وإريتريا وجيبوتي وأن هناك مؤشرات قوية على أن إيران تهدف إلى استخدام موانئ تلك الدول للمساعدة في شن هجمات على إسرائيل و«الدول العربية»!؟ وأشارت الدراسة إلى أن طهران تولي أهمية قصوى للسودان باعتباره الساحة الخلفية للعالم العربي عامة ومصر خاصة وبوابة للتغلغل في القارة الأفريقية. وينصح المخططون الاستراتيجيون في الكيان الصهيوني بضرورة مضاعفة الجهود لبسط النفوذ في القارة السمراء، باعتبارها منطقة حيوية واستراتيجية وقاعدة أساسية لتأمين المصالح واضعاف الدول المصنفة اسرائيليا عدوا أو خطرا محتملا.