حدث الأمر في بلغاريا وتداولته مختلف وسائل الأعلام في الأيّام الأخيرة، وعلى رأسها مواقع الأنترنات: ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم الواحد بعد الآخر، في مقتبل العمر، وفي ظروف بشعة، دون أن تكون لأحدهم علاقة بالآخرين سوى...رقم التلفون المحمول! الرقم 0888.888.888 تحديدًا!! فلاديمير غراشنوف هو «الزبون» الأوّل الذي حصل على هذا الرقم، باعتبارهِ أحد مديري شركة الاتّصالات المعنيّة...لكنّه لم يفرح به طويلاً...إذ سرعان ما أصيبَ بمرضٍ عضال لم يستطع مقاومته ولم يُفلح في النجاة منه على الرغم من صراع طويل مرير. أمّا قسطنطين ديميتروف الذي حصل على هذا الرقم «النحس» حالَ شُغُوره، فلم يكن سوى أحد زعماء المافيا البلغار حسب ما أكّدتهُ الأخبار...وقد عرف نفس المصير القاتم...إذ سرعان ما صرعته رصاصة طائشة (ولعلّها صديقة) بينما كان يحاول العبور إلى هولندا. بعد ذلك آلَ الرقم المشؤوم إلى قسطنطين ديشلياف. وهو رأسماليّ مجهول المصادر، ومقاول غامض الملامح، ورجل أعمال متعدّد المواهب، وعلى رأس «مواهبه» تجارة الكوكايين...لم يصبح الرقم على ذمّتهِ حتى تمّ اغتياله وهو يغادر أحد المطاعم. إلى هنا...كان في وسعي أن لا أرى في الأمر ما يُغري بالتعليق...فالمسألة لا تتعدّى برهانًا آخر على أنّ ذهنيّة التشاؤم والتطيّر والإيمان بالنحس والشؤم والخوف من الأرقام واللعنات وغيرها من الخرافات...ليست حكرًا على شعب وليست حكرًا على حضارة...بل هي قاسم مشترك لم ينتظر العولمة كي يشمل الجميع، فإذا لا فرق فيه بين شرق وغرب ولا بين جنوب وشمال ولا بين غنيّ وفقير ولا بين متقدّم ومتخلّف... لكنّ ما أثار انتباهي، هو ما حدث بعد ذلك...أي بعد أن تمّ التدخّل «رسميًّا» على الصعيدين الأمنيّ والإداريّ! المُحقّقون لم يغفلوا طبعًا عن «الرابطِ» بين «الضحايا» الثلاث! وهو ما جعلهم يقرّرون «تعليق» هذا الرقم في انتظار استكمال التحقيق...ممّا شجّع شركة الاتّصال المعنيّة بالموضوع، وهي شركة موبيتال، على اغتنام فرصة هذا «التعليق الوقتيّ» لإلغاء الرقم نهائيًّا...باعتباره قاتلاً متسلسلاً (سيريال كيلر) وليس رقمًا تلفونيًّا!! عجبي!! كلّ هذا العتاد العتيد لمواجهة رقم وحيد فريد لا ينقص ولا يزيد...متّهم بالقتل دون أن نعرف إن كان قاتلاً بالصدفة، أو دفاعًا عن النفس، ودون أن تثبت إدانتُهُ أصلاً!! لماذا لا يفعلون الشيء نفسه مع القتلة الحقيقيّين الذين لا تحتاج إدانتهم إلى إثبات؟ نتنياهو؟ ليبرمان؟ رُماة طائرات الهليكوبتر التي تصطاد المدنيّين الأبرياء في أكثر من بلاد، في أكثر من قارّة؟ القنّاصة الذين يصرعون الأطفال بدم بارد؟ عجبي! قرار أمنيّ وقرار إداريّ وربّما غدًا قرار أُمميّ، ضدّ رقمٍ لا يحيي الميت ولا يميت الحيّ، بينما القتلةُ الحقيقيّون لا يقف لهم أحدٌ بالمرصاد، ولا يتمّ «تعليق» عبثهم بالعباد!! أخذ وردّ وأخماس وأسداس...لإيقاف رقم لا حول له ولا قوّة ولا رأي ولا إحساس...بينما القتلةُ لا تصل بشاعتهم الأفهام، ولا تقف عند فضائحهم الأقلام، ولا تحيط بعددهم الأرقام، ولا يرون أمامهم إلاّ علامةَ «إلى الأمام»!!