من علامات الجود والكرم ومكارم الاخلاق اغاثة الملهوف، وتفريج كربة المكروب، وقضاء دين المديون، واقالة عثرات الكرام الذين يتنكّر لهم الزمان ويعضّهم الدهر بنابه، فيذلّون بعد عزّ، ويفتقرون بعد غنى، مصداقا للحديث النبوي الشريف (أكرموا عزيز قوم ذل) ومن يتصف بهذه الخصال النبيلة ينال الاجر والثواب ويدخل السرور على أخيه المسلم، وفي هذا المجال حكى الاخفش الصغير أن أسيد بن عنقاء الفزاري كان من أكبر أهل زمانه قدرا، وأكثرهم أدبا، وأفصحهم لسانا، وأثبتهم جنانا، وكان مع ذلك متعفّفا يصون نفسه عن المسألة ولا يريق وجهه لأحد من الناس ولما طال عمره وساءت حاله وقلّت ذات يده خرج يوما يتمشى ويرجو أن يصيب شيئا لأهله فمرّ به (عميلة الفزاري) وهو ذو شهامةوكرم ومال فسلّم عليه وقال له: ما أصارك يا عمّ الى ما أرى؟؟ فقال لهك أصارني الى ما ترى (بخل مثلك وصون نفسي عن مسألة الناس) فقال له عميلة:لئن بقيت حيا الى غد لأغيّرن ما أرى من حالك. ولما رجع ابن عنقاء الى منزله قال لزوجته ان عميلة وعده خيرا. فقالت له: لقد غرّك كلام علام في جنح ليل، قال: فكأنما ألقمت فاه حجرا، وبات ليلته متململا بين الرجاء واليأس، ولما حان وقت السحر فوجئ ابن عنقاء برغاء الابل وصهيل الخيل وهي مثقلة بالأموال. فقال: ما هذا؟؟ فقالوا له: إن عميلة قد قسم ما له شطرين وبعث إليك بشطره، فاشتد سروره وتأثّره وأنشأ ينشد شعرا: رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... الى ماله حالي فواسى وما هجر ولما رأى المجد استُعيرت ثيابه ... تردّى رداء سابغ الذيل واتّزر غُلام حباه الله بالحسن يا فعا ... له سيماء لا تشق على البصر كأن الثريا علقت بجبينه ... وفي أنفه الشعرى وفي جيده القمر الشرح : استُعيرت ثيابه: تبدّلت من حال الى حال الرداء السابغ: الكامل الساتر للجسم اتّزر: لبس الازار حباه الله: منحه وأعطاه الثريا والشعري: نجوم شديدة الضياء والارتفاع والعلوّ