في الماضي كانت جميع الهياكل المعنية بالأسرة والصحة مجنّدة للحدّ من ظاهرة الزواج المبكر. أما اليوم وبعد أن ارتفع سن العزوبية ليتجاوز الأربعين في عديد الأوساط بات من الضروري أن يتجنّد جميع المختصين لتحيين جميع الدراسات وتتحول اهتمامات الهياكل المعنية للحدّ من هذه الظاهرة حفاظا على تواصل الأجيال من خلال الحفاظ على الخصوبة وإنجاب الأطفال. «العزوبية» لدى الشباب اختيار أم اضطرار؟ كان موضوع الحلقة الثانية لمنتدى السكان والصحة الانجابية في دورته التاسعة التي نظمها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري مساء أول أمس بمقرّه. شهادات للوقوف عند أسباب ظاهرة العزوبية ارتأى الديوان إعداد شريط فيديو يتضمن شهادات لعزّاب تجاوزوا الأربعين سنة من الجنسين واختلفت آراؤهم حيث اعتبر البعض أن عزوبيته اختيار منه إمّا خوفا من الفشل وإما نتيجة فشل في علاقات سابقة والشعور بانعدام الثقة تجاه الآخرين أو بسبب الاهتمام بالنجاح في العمل وبناء الذات أو بسبب سهولة العلاقات. وقال: «البعض الآخر إنه مضطرّ لأن الزواج يتطلب مصاريف لا يقدر عليها كما أنه يفتقر الى دخل يستطيع بواسطته كفالة الزوجة والأبناء والقيام بشؤون الأسرة خاصة ماديّا». وأحدهم صرّح بأنه مضطرّ، وبالتالي محروم من حقه في الزواج كبقية البشر المتزوجين. حرمان رغم اختلاف أسباب العزوبية من شهادة الى أخرى، إلاّ أنهم اتفقوا في الشعور بالحرمان من الأطفال وذلك كلما شاهدوا أبناء الأقارب والأصدقاء كما اتفقوا في أن نظرة المجتمع لهم قاسية جدا حيث تعتبر الفتاة العزباء بالضرورة متحرّرة في علاقاتها وفي عملها تسدّ كلّ الشغورات لأن ليس لها التزامات والرجل معزول حتى يعزل نفسه فعلا عنهم. وعندما تصبح العزوبية واقعا لا بدّ أن يعيشه «العازب» أو «العزباء» يفرض السؤال نفسه كيف يمكن أن تكون العزوبية إيجابية في مجتمعنا؟ هذا السؤال حاولت الباحثة نزيهة مصباح سعداوي الاجابة عنه من خلال أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع (2009). فأبرزت أنّ العزوبية في نظر من اختارها لا تعني الوحدة والانطواء إنّما هي أسلوب خاص للتعبير عن متعة الحياة بطريقة مختلفة لا تتفق والقاعدة العامة التي توالت عليها أجيال مختلفة حصرت مفهوم السعادة في الحياة الزوجية ومن اختار نمط العزوبية لا بدّ أن يحسن التمتع بالحياة عن طريق تكوين علاقات متنوّعة ومكثفة حتى لا يشعر بالوحدة ويكون اجتماعيا ويتمتع بكل لحظة من لحظات الحياة كأن ينخرط في جمعية أو ناد وأن يشارك في رحلات. تحدّيات تفيد نتائج المسح الوطني حول السكان لسنة 2008 أنّ عدد العزّاب يقدّر ب3273.1 ألف نسمة من بين السكان الذين تساوي أو تفوق أعمارهم 15 سنة وهو ما يمثل 42٪ من مجموع هؤلاء في حين يبلغ عدد المتزوجين 4091.8 ألف نسمة أي ما يعادل 52.4٪ من مجموع الفئة العمرية 15 سنة فما فوق بينما ناهز عدد الأرامل 378.2 ألف نسمة. وتفيد الدراسات أن تأخر سن الزواج في تزايد مطرد مما يؤدي الى اطلاق صيحة فزع خوفا من تراجع الخصوبة وفقدان الأطفال. السيدة نبيهة قدّانة الرئيسة المديرة العامة للديوان خلال افتتاحها للمنتدى لم تخف هذا الهاجس حيث أفادت أن تأخر سن الزواج يضعنا أمام عديد التحدّيات كتراجع الانجاب وسقوط بعض الشباب في الانجاب خارج اطار الزواج أو الاصابة بالأمراض الجنسية وتحوّل ملامح المجتمع حيث تصبح قاعدة الشيوخ هي الأكبر. واعتبر الأستاذ عبد الوهاب محجوب مختص في علم النفس أن العزوبية اليوم أصبحت إشكالية وليست مشكلا وهي بالتالي مفتوحة لجميع الهياكل والشرائح الاجتماعية للبحث والكتابة واتخاذ القرارات. وأتت الأستاذة درّة محفوظ باحثة في علم الاجتماع في محاضرتها على أسباب العزوبية الذاتية والاجتماعية والاقتصادية وعرّجت الدكتورة جليلة عطّافي على تطوّر متوسط العمر عند الزواج في تونس، من 29.15 لدى الذكور سنة 1991 الى 32.40 سنة 2007 ومن 23.96 لدى الاناث سنة 1991 الى 27.10 سنة 2007. وعموما العزوبية هي ظاهرة وليدة تحوّلات اجتماعية واقتصادية عرفتها بلادنا كسائر بلدان العالم وتحتاج من الهياكل المعنيّة التفكير في اخراج «العزّاب» اضطرارا من هذه الدائرة بشتى الطرق الممكنة.