[email protected] (1) لم تكن صورة الجزائري الفرنسي يزيد زين الدين زيدان الليزرية بالألوان الثلاثية على واجهة قوس النصر في باريس , غير صورة سرابية واهية , رسمتها فورة الإيفوريا – إيفوريا النصر - على إثر حصول فريق «الزّرق» على كأس العالم لكرة القدم عام 1998 ... لم تصدق الأجيال الفرنسية الجديدة ذات الأصول المغاربية ذاك الحدث , لقد كانت تلك الصورة دليلا على أن هذه الأجيال الجديدة قادرة على الاندماج في المجتمع الفرنسي رغم كل الفوارق الثقافية و العرقية , وأنها قادرة على رفع رأس ماريان عاليا و شامخا بين الأمم , كما كانت تلك الصورة بالمقابل اعترافا رسميا ورمزيا بدور هذه الأجيال المغاربية في المساهمة في «مجد فرنسا». (2) كما رأى بعض المراقبين في تلك الصورة المنطبعة على واجهة قوس النصر رسالة بليغة عن استعداد فرنسا للمصلحة مع تاريخها و مع مبادئها الإنسانوية السّامية ... لقد تحوّل زيدان الجزائري إلى منقذ لأمة الفرنسية و أسطورة حيّة دخلت دائرة القداسة بوصفه وحّد فرنسا في وعيها و في لا وعيها حول شرف الانتماء إلى الهويّة الفرنسية المتعدّدة و المتجدّدة .... تمرّ أربعة سنوات على تلك الإيفوريا و تسقط صورة زيدان في المقابلة الشّهيرة بين فرنسا و إيطاليا في مزبلة الألسنة الفرنسيين العتاق . ففرنسا في حاجة إلى صورة زيدان الملائكية وليس لصورة زيدان الإنسان المفارق الذي يردّ على شاتم أمّه بضربة رأس حين «اعتدى» على اللاعب ماركو ماتيرازي في مقابلة تصفيات كأس العالم بين فرنسا و إيطاليا , و على زيدان أن ينسى أمّه البيولوجية بعد أن تبنته «أمّه العكري » . (3) وفي الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي تعرّض الشريط الجديد « خارج عن القانون « (Hors–la – Loi) للمخرج الجزائري الفرنسي رشيد بوشارب إلى حملة مناهضة هي الأولى من نوعها , فالمخرج بعد النجاح الذي لقيه شريطه الأول «أنديجان» (Indigènes) (2006) والذي تناول فيه مساهمة الجنود المغاربة في الذود على التراب الفرنسي في الحرب العالمية الأولى , يعود في شريطه الأخير لينطلق من حوادث سطيف في 08 ماي من عام 1945 و التي أودت بحياة الآلاف من الجزائرين اللذين سقطوا تحت رصاص الجيش الفرنسي (بعض المصادر تذكر موت ثلاثين ألف من الجزائريين مقابل بعض المئات من المستعمرين ) . هذا الشريط تمت إدانته من طرف بعض الجهات الفرنسية بتعلة تزويره للتاريخ الفرنسي , وأعتبره النائب الفرنسي ليونال لوكا Lionnel Luca عن حزب (UMP) شريطا معاديا لفرنسا معتمدا في ذلك على تقرير من مصلحة تاريخ الدفاع الوطني (SHD) , كما هدّدت جماعة فرنسية متطرفة تدعى « الحقيقة التاريخية – كان 2010» بالتدخل لمنع عرضه في مهرجان كان ... يظل المخرج رشيد بوشارب مرحبا به في فرنسا كأنديجان , دون أن يكون له الحق في تناول الذاكرة الفرنسية و النبش فيها , بوصفه فرنسيا له الحق في الحديث عن أصوله و ذاكرة آبائه وأجداده . (4) الفنانة التشكيلية الجزائرية الفرنسية زينب سديرة المقيمة في لندن , والتي تشتغل في أعمالها الفنية على الذاكرة الجزائرية المعاصرة من خلال استعمالها لفن الفوتوغرافيا و التنصيبات و فن الفيديو , و المتمتعة بسمعة فنية عالية في كبريات العواصم العالمية , تمّ إلغاء معرضها الأخير الذي يحمل عنوان « حدثتني أمي « (My mother told my) المزمع إقامته في المتحف الوطني بابلو بيكاسو بقرار ألان غوميال Alain Gumiel رئيس بلدية فالوريس و هو أيضا من حزب (UMP) . و سبب الإلغاء شهادات أم الفنانة في تنصيبات الفيديو حول تصرفات الجيش الفرنسي في الجزائر و حول خيانة المتعاونين « الحركي « ضد أبناء جلدتهم ... فرنسا تستمر في استغلال و ابتزاز الحركي إلى اليوم , و تستعملهم قانونيا للتصدي للذاكرة الوطنية الجزائرية , و كان على زينب سديرة الانتماء إلى صنف الفنانين المتبرقعين([1]). (5) فرنسا ... لا تزال غارقة في الماليخوليا , بسبب ذاكرتها التاريخية الكولونيالية التي لم تتصالح معها بعد , و هي تعبر عن هذه الماليخوليا أحيانا بشكل رسمي منذ قانون 23 فيفري 2005 و المعروف بقانون غايسو (Loi Gayssot)و الذي يؤكد الفصل الرابع فيه على ضرورة الاعتراف في البرامج المدرسية بدور الإستعمار الإيجابي في ما وراء البحار و في شمال إفريقيا بالخصوص . و لكي تتخلص فرنسا من هذه الماليخوليا التي تسمم علاقتها بتاريخها الاستعماري الأسود على حدّ عبارة مارك فيرو , عليها أن تقيم حدادا رسميا على تاريخها الاستعماري و تتخلى عن أكذوبة الهوية لتربح إنسانويتها ... تحية للدكتورة رجاء بن سلامة على جهدها الفكري المستمر . [1] أنظر مقالنا «المتبرقعون» , «الشروق» في نفس سلسلة « الأسطرلاب ».