تتهاطل علينا هذه الأيّام أخبار عربيّة وعالميّة مسمومة مدجّجة بالألغام لها طعم الفضائح المدوّية، التي يُفترض أن تهتزّ لها العروش والحكومات، ويفقد المعنيّون بها كلّ سلطة ومصداقيّة، ويحال بسببها المسؤولون على المساءلة ان لم نقل على المحاكمة، و«يشيب لهولها الولدان» كما كان أسلافنا يقولون، أو على الأقلّ تتولّى التحقيق فيها لجان محليّة واقليميّة فضلاً عن المحاكم الدوليّة... من بين هذه الأخبار ما نشرته صحيفة «الأهرام» السودانيّة نقلاً عن مصادر فلسطينيّة وعن مسؤول أمنيّ فرنسيّ أكّد أنّ صيدليًّا مصريًّا سلّم محمد دحلان سنة 2003 السمّ المركّب الذي أودى بحياة ياسر عرفات، وأنّ هذا الصيدليّ كان يظنّ أنّه يساهم في احدى عمليّات المقاومة كما أفهمه دحلان، وأنّه ما إن قام بتسليم السمّ حتّى تمّ اغتياله بواسطة سيّارة في منطقة الجيزة بالقاهرة؟! ومن بين هذه الأخبار ما جاء في حديث الوزير يسرائيل كاتس الذي أذاعته المحطّة العامّة الصهيونيّة، وأكّد فيه حضرة الوزير علنًا وجهارًا وحرفيًّا أنّ «اسرائيل ومصر فرضتا معًا حصارا على غزة بهدف مساعدة رئيس السلطة الفلسطينيّة ولكنّ هذا الحصار لم يجد نفعًا»؟! ومن بين هذه الأخبار تصريح وزير الخارجية الصهيونيّ أفيغدور ليبرمان بأن عبّاس «اتّصل شخصيًّا بمسؤولين صهاينة ومارس ضغوطًا كي نواصل عمليّة الرصاص المسكوب ونسقط حماس»؟! أخبار يضعها الكثيرون في خانة «الدسّ» وتحت لافتة «نظريّة المؤامرة»...الاّ أنّ كثيرين يرجّحون صدقيّتها في ضوء ما ينكشف باستمرار من الوثائق والحقائق التي تثبتُ أنّ التاريخ ليس بخيلاً بالمؤامرات. وأيًّا كان الأمر، فالمتوقّع من الأطراف المتضرّرة أن تواجه مثل هذه الأخبار بما تستحقّ من متابعة وتحقيق وتدقيق...أمّا الأطراف المُتّهمة فالمتوقّع أن ترتفع أصواتها بالتنديد والشجب والتكذيب... فلماذا لا يحدث شيء من ذلك؟ ولماذا تمرّ هذه الأخبار مرورًا عاديًّا باهتًا وكأنّها من طبيعة الأمور ومن البديهيّات التي لا يستغربها الاّ ساذج بريء كي لا نقول غبيّ أبله، فاذا لا دويّ لها ولا هم يحقّقون، بل ولا هم يكلّفون أنفسهم حتى مشقّة التكذيب أو التفنيد، وكأنّها ليست حتى في مستوى طلاق فلانة من علاّن أو زواج علاّن من فلانة؟! أعترف بأنّي أكره تصديق هذه الأخبار لأنّها لو صحّت لأجبرتني على أن أكره نفسي لانتمائي الى أرض قادرة على انجاب مثل هذا الخزي...كما أعترف بميلي الجارف الى التعلّق ولو بقشّةٍ من التوضيح أو الشرح أو حتى التضليل الذكيّ الذي يساعدني على الايمان بأنّ هذه الأخبار مجرّد دعاوى باطلة. وعلى الرغم من ذلك فانّي لست هنا في موقع تكذيب هذه الأخبار ولا في موقع تأكيدها...بل أريد أن أفهم أمرًا وحيدًا بسيطًا حقيرًا تافهًا، بعيدًا عمّا يسميّه البعض هواية «جَلْد الذات» وأختها هواية «تنويم الذات»: لماذا لم تعد تهزّنا هذه الأخبار صادقةً كانت أم كاذبة، ولماذا لم تعد تحرّك فينا شعرة، لا شعرة معاوية ولا شعرة سيّدنا عليّ ولا حتّى شعرة من جدائل الجازية؟ هل لأنّها أصبحت واقع حالنا العربيّ وجزءًا من بديهيّات حياتنا السياسيّة؟ أم لأنّ جلدتنا ماتت حتى أصبحنا شبيهين بتلك «العجوز التي لا يهمُّها قَرْص» وفْقَ عبارتنا الشعبيّة التونسيّة البليغة؟!