صدر منذ أيام قليلة عن الدار المتوسطية للنشر (تونس/ بيروت) كتاب جديد للباحث التونسي صابر الحباشة تحت عنوان الأبعاد التداولية في شروح التلخيص للقزويني وهو صيغة منقحة لشهادة الدراسات المعمقة التي ناقشها المؤلف في كلية الآداب والفنون والإنسانيات في منوبة / تونس سنة 2003. ويتطرق هذا الكتاب إلى محاولة دراسة الشروح البلاغية العربية القديمة دراسة تداولية حديثة. ويقول المؤلف في تمهيده: ينتمي هذا العمل إلى ضرب من ضروب الدراسات التي تسعى إلى قراءة التراث البلاغيّ قراءة معاصرة تستثمر بعض المناهج اللسانية المستحدثة. وتتوجّه الدراسة إلى جزء من ذلك التراث عُدّ كالمهمل عند المحدثين، ونعني «الشروح البلاغية» وقد اعتمدنا مدونة مخصوصة هي شروح التلخيص للقزويني (ت. 739ه). وقد واجهتنا عدّة صعوبات عند محاولتنا الاقتراب من «الأبعاد التداولية في شروح التلخيص للقزويني» منها عسر تناول المتن، فقد ضمّ خمسة شروح تتآلف وتختلف، تجتمع وتفترق، وخشينا أن نضيع في الفويرقات القائمة فيما بينها (والبحث في هذا الأمر مشروع) فعمدنا إلى النظر إليها وكأنّها جسد واحد أو صياغات متقاربة لرؤية عامّة واحدة، فجعلناها كالمتعاوضة. ومن الصعوبات الأخرى شساعة المتن البلاغيّ، فحاولنا تجنّب التشتت بتركيز النظر على مبحث مخصوص يندرج في علم المعاني: هو أحوال المسند إليه واتخذنا بعض النماذج من تلك الأحوال (الحذف والذكر والتعريف والتأخير). وقد بحثنا في غايات إيراد المسند إليه على كل حال من الأحوال السالفة الذكر. وعلّقنا على تلك الغايات مقارنين إياها بمقاربات غربية اهتمّت ببعضها وذلك كلّما توافرت لنا تلك المقاربات. وكانت المقارنة ضربا من التنبيه إلى نقاط التقاطع أو نقاط التنابذ بين الرؤية والتطبيق التراثيين والرؤية والتطبيق الحديثين المنتسبين إلى التقاليد التداولية. كما اعترضتنا صعوبات أخرى تتصل بالمنهج التداوليّ وهو شديد الثراء والتنوع حتى ليعسر تحصيل فكرة شاملة عنه وقد تعددت التيارات التي تنتظم هذا المنهج وكثُر الأعلام الذين أسسوا له فلسفيا وإبستيمولوجيا والباحثون الذين أجروه تطبيقيا فضلا عن اللسانيين الذين نقدوه نقدا داخليا أوخارجيا. لذلك وجدنا عنتا في المسك بزمام هذا المنهج، وحاولنا الإفادة من بعض المصنّفات الأصول التأسيسية في هذا الباب كما لم نغفل عن الأخذ بخلاصات احتوتها مؤلّفات مدرسية غربية قرّبت الشقّة بيننا وبين المنهج. وقد حرصنا على تجنّب الإسقاط المنهجيّ لذلك بقينا متردّدين بين رؤية نهائية إلى التداولية ورؤية متنامية تسمح بفتح الآفاق نحو تعديل بعض المقاربات وتوجيهها نحو الإفادة بشكل أجدى نفعا. وقد أقمنا هذه الدراسة على افتراضين مختلفين: أحدهما: أنّ شروح التلخيص تشتمل على أبعاد تداولية، فعلينا أن نستخرجها منها ونتبين طبيعتها. الآخر: أنّ شروح التلخيص تخلو من الأبعاد التداولية، ونحن سنضطلع بإضفائها عليها وذلك بإثراء المقاربة التراثية بتسليط أضواء جديدة عليها تنتحي منحى تداوليا، يخلو من الإسقاط والتقويل.